منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بلد العلم والعلماء .. بتقلي يا () ليه راسك مرفوعه وعنيك قويه اقلك شكرا دا طبع الطحلاوية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسم الله الرحمن الرحيم السادة الافاضل اعضاء وزوار ومشرفي ومديري منتديات طحله السلام عليكم ورحمه الله وبركاته نوجه عناية سيادتكم انه بدء من الان سيتم الارقاء بمنتديات طحله وتفعيلها بالشكل الذي يتناسب مع بلد العلم والعلماء بقرية طحله ونتمني من الجميع المساهمه معنا في هذا الشأن نشكركم ونتمني مزيدا من التقدم والرقي
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
مواضيع مماثلة

    .: عدد زوار المنتدى :.

    الساعه الآن بالقاهرة
    المواضيع الأخيرة
    » استراتيجيات التعلم النشط وتطبيقاته
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد أبريل 21, 2019 7:11 pm من طرف slimsskhab

    » حل نهائي ومجاني للقدم السكرية
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد أبريل 14, 2019 11:47 pm من طرف slimsskhab

    » مجموعة الشعر فوريفر .. كافة المنتجات
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالخميس أبريل 11, 2019 12:59 am من طرف slimsskhab

    » افضل موقع عربي لمشاهدة و تحميل الافلام و المسلسلات و البرامج
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد مارس 24, 2019 3:40 pm من طرف slimsskhab

    » شاشات ليد داخلية وخارجية توريد | تركيب | صيانة بافضل سعر في مصر
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالسبت مارس 23, 2019 1:15 am من طرف slimsskhab

    » دورات للأطباء والاختصاصيين العرب
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالخميس مارس 21, 2019 6:52 pm من طرف slimsskhab

    » الدكتوراه والماجستير البحثية في الهند
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأربعاء مارس 20, 2019 2:35 pm من طرف slimsskhab

    » بيع ادوات ومنتجات لعبة هاي داي hay day
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالإثنين مارس 18, 2019 3:41 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع أحلامي لايف
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالسبت مارس 16, 2019 8:11 pm من طرف slimsskhab

    » سارع بالحصول على اكثر من 500دولار شهريا من ميرش باي امازون
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد مارس 10, 2019 2:49 pm من طرف slimsskhab

    » الجهاز الرائع المهدئ و المُريح لمفصل الركبة (إنه حقا يعمل) أطلبه الان
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأربعاء مارس 06, 2019 7:25 pm من طرف slimsskhab

    » لايكات علي اليوتيوب 100 لايك مقابل 5 دولار
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد مارس 03, 2019 4:00 pm من طرف slimsskhab

    » مكتب دراسة جدوى بالكويت
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالجمعة فبراير 22, 2019 9:55 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع الفوائد ,,
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد فبراير 17, 2019 3:01 am من طرف slimsskhab

    » اشهار منطقة القليوبيه للكرة الخماسيه البنتابول
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد يناير 27, 2019 2:32 pm من طرف admin

    » النسخه الريباك من لعبة البيسبول الشيقه Major League BaseBall 2k12
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 09, 2015 6:04 am من طرف وفاء محمد

    » القارىء مشاري العفاسي ~ الرقية الشرعية كاملة [ رائعه ]
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد أبريل 12, 2015 10:32 pm من طرف نور الهدي

    » فك الربط بمن اصيب بسحر الربط ...
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأربعاء فبراير 04, 2015 6:47 pm من طرف admin

    » اختطاف المرشح احمد النادى
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالأحد سبتمبر 28, 2014 3:27 pm من طرف وفاء محمد

    » اهلا احمد مسي
    بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالسبت سبتمبر 20, 2014 12:14 am من طرف admin

    اعلانات مهمه
    للدخول إلى الصفحه الخاصه بالفيديو واللقاءات مع مرشحى
    مجلس الشعب 2010 عن دائرة بنها
    فقط اضغط


    هنــــــا
    أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
    admin
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    محمد كمال
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    3g
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    تصويت
    هل من رايك منتدي قرية طحلة يحتاج الي؟
    الكثير من التطوير
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcap100%بنات حارتنا     ج2 Vote_lcap
     100% [ 4 ]
    القليل من التطوير
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج2 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا يحتاج الي التطوير
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج2 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا اعلم
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج2 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    مجموع عدد الأصوات : 4
    مكتبة الصور
    بنات حارتنا     ج2 Empty
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 73 بتاريخ الثلاثاء مارس 05, 2024 5:38 pm
    منتديات طحله
     .منتديات طحلة تشكر الاعضاء والزوار علي ثقتهم الغاليه في منتداها
    أفضل 10 فاتحي مواضيع
    admin
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    اسلام شحاته
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    محمود عفيفى a
    بنات حارتنا     ج2 Vote_rcapبنات حارتنا     ج2 Voting_barبنات حارتنا     ج2 Vote_lcap 
    اضغط وتعرف علي الساعه فى مدن العالم المختلفه
    Place holder for NS4 only

     

     بنات حارتنا ج2

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    د/امين عادل امين
    مشرف اقسام
    مشرف اقسام
    د/امين عادل امين


    البلد : مصر
    الجنس : ذكر
    الابراج : الحمل
    العمر : 36
    العمل : دكتوراه في القانون
    تاريخ التسجيل : 03/09/2009

    بنات حارتنا     ج2 Empty
    مُساهمةموضوع: بنات حارتنا ج2   بنات حارتنا     ج2 Icon_minitimeالجمعة مارس 05, 2010 10:29 pm

    أوقفني بطلي الخيالي هذا في إشكالات المقارنة، أيقظ في لا وعيي تهيباً من الرجل العادي، ورغبة البوح على الورق.

    بات ابن خالتي صاحب الورشات الميكانيكية زائراً أسبوعياً، يأتينا بسيارته "الرينو" من بيروت، ملمع الشعر، مطيب الأعطاف، نظيف الملابس. يبيت ليلة، ثم يعود صباحاً باكراً، يتحمل نزقي ومزاجي بصير عجيب، ثم ملّ مني.

    -يا الله، يا ماما، حفظت الدرس، لا أريده.. ضربت الأرض بقدمي وصفقت الباب خلفي بقوة.

    قال الطبيب وهو يطفئ النور بين عينيه:

    -يجب أن تضعي نظارة بيضاء. عندك انحراف بسيط.

    علقت أمي شاكية:

    -من أول عمرها يا دكتور. لا يغرّك طولها، ما تزال صغيرة.

    في ظني أنها خافت علي من العنوسة، فالناس لا يحبون النظارات على عيون الصبايا.

    انكمشت على بعضي، وبدأت أغوص في عزلة محببة أفسدتها كلمات من إخوتي مجدولة بالسخرية ها قد تقدمت عليك ابنة عمك الهام، أضحت أحلامها حقيقة، رزقت عريساً تاجراً في سوق الحرير.

    هتفت عندما رأيتها:

    -يا ربي.. كم تغيرت يا إلهام؟

    صارت نصف امرأة. وجه ملطخ بالأحمر والأبيض بعيد عن البساطة والبراءة تتعبد نفسها بالمرآة.

    راقبت عينيها في حفل الغداء، كانتا تزغردان مشوقتين إلى عريسها الفتى صراحة دون حرج، انبسطت أمامها الأمور المعقدة بشرعية مباركة.

    طقت ضحكة بدرت منها.

    خلف الباب رأيتها تتلوى عجينة لينة بين يديه. يهصرها، وتتسلل أنامله إلى قميصها.

    انفردت بأوراقي، كتبت ما لاحظت. ثم خبأت أفكاري بين طيات ملابسي الداخلية.

    تطير حمامة أخرى من الحارة، تطير "زينة" التي انقطعت كل علاقة لها مع سامي تطير من المهاجرين إلى عرنوس لتحط زوجة في بيت وثير أنيق، ملكة على قلب طبيب خمسيني.

    زفت الخبر جارتنا "أم زينة" متباهية.

    -لا تؤاخذيني أختي "أم هشام" فضلنا شهر العسل في أوربا على حفل العرس. فرصة وحيدة أمام البنت لترى العالم قبل أن تعلق بالأولاد.. بيت سيارة، طباخة، لا يجوز للمرأة أن تفني عمرها في المطبخ.

    -ورضي العريس؟ سألت أمي منكسرة الخاطر، تذكرت سامي الذي رسب في صفه.

    -طبعاً.. قاتل حاله.. قبل بكل شروطنا..

    شروط للزواج، شروط للحب، وتنازلات، وقوانين تتحكم بمقدرات المرء، ترى ما كانت ردة فعل العشيرة فيما لو تزوجت رفيقي ميشيل في المدرسة الإيطالية؟ ميشيل جليسي في المقعد، معه تعرفت الحرف الأول حتى ترفعنا إلى الصف الرابع. كان لطيفاً، حلواً، يساعدني في حمل حقيبتيّ الملأى بالكتب المصورة. وعندما يوصلني أبي بالعربة السوداء التي يجرها حصانان إلى باب المدرسة أجده واقفاً. يندفع نحوي فرحاً وبيده قطعة شوكولا يقضم نصفها وأقضم أنا نصفها الآخر ونضحك.

    تفصلنا الراهبة قبل الغداء إلى فريقين.. بلا وعي مني ألتزم صف ميشيل. ويلتزم ميشيل صفي. نبعان صافيان من العسل لم تشوهمهما المواضعات الاجتماعية. أين أراضيه اليوم يا ترى؟

    ها أنذي أصغر تلميذة في الصف الخامس، وفي مدرسة حكومية ابتدائية عافت نفسي القراءة والطعام. انقلب الوضع تماماً. أرجحني في شبكته، فألعاب البنات حولي مثقلة بالرتابة وإيحاءات الآخرين.. ذروة التفجر المكبوت عندهن صورة ممثلة أو ممثل مقصوصة من مجلة الاثنين المصرية تسلل شيء ما إلى حياتي فجأة. قطعة سكر ذابت في حلقي عندما شد صبي في مثل عمري على يدي جاء مع أمه، نظر في عيني، خرق حجاباً، قبلني من خدي، لا أدري لم كانت متلصصة هرولت خارجة، سمعت صوته خلفي: "اورفوار".

    بحثت عن غطاء أسبله على وجهي، كفنت جسدي بشرشف أبيض. طرت مع سابع حلم. تحولت إلى حمامة بيضاء كسيرة الجناح، مالت بمنقارها نحو النوافذ المغلقة تنادي الأخريات، ثم سقطت على الأرض لتجد إرادتها مسيجة بالجدران، ومشدودة بخيط مربوط في قدمها.

    تقوم قيامة البيت يوم الاستقبال صباح كل اثنين من كل شهر على جري العادة. تكوى الستائر المكرنشة الدانتيل. تفرك القدد النحاسية بمادة تثير الغثيان، وتفرش الملاءات البيضاء المطرزة على الطاولات. عرس جميل يتجدد كل شهر.

    غير أن هذا العرس المتجدد أصيب بنكسة بالغة، فقد توارى الفرح عن البيت، واسلمه إلى كارثة هزت أركانه، وزلزلت أمنه عندما نشب خلاف بين أبي موظف الجمرك الكبير، وبين مديره القومندان شارل الذي حمل في ثيابه العسكرية عقلية فجة، وتعليمات صارمة من حكومة الانتداب الفرنسي تحتم على موظفي الجمرك ارتداء الزي العسكري الفرنسي، والتكلم باللغة الفرنسية والتعامل فيها حصراً، وإلا فالطرد من الوظيفة.

    انطوت الأفئدة على فكرة الخروج من المأزق الصعب، فتفرق الأهل جماعات. وأصبحت في البيت وحيدة، غريبة كنبتة خضراء أصابها الجفاف، لا يدري أحد بي، ولا يلتفت إلي عيني الرامدتين ليمسح عنهما العمش. أسندت رأسي إلى مخدتي علني أفهم المشكلة، ولم انفجرت الدنيا في وجهنا فجأة ولكن عبثاً حاولت.

    أطبقت أمي فمها على هم لم أدرك مداه في سني الصغيرة، يداها في حضنها مستسلمة، تتوجه بإشارات بكماء إلى "عربية" التي أبت أن تغادرنا. ترف عيناها السوداوان الواسعتان بأسى وحسرة كلما باع أبي بيتاً أو دكاناً.

    تقاربت زيارات أختي هدى، أضحى حديثها همساً مع والدتي.

    -شباب، أفواه مفتوحة، الجوع لا يرحم.. كلمات غريبة ترددت. أعقبها تقشف بادٍ في ألوان الطعام، ولون الخبز والسكر.

    تعرض الرجال كما تعرضت البلاد في أواخر عام 1943 لدعايات شتى غزت رؤوس الشباب بأحلام البطولة. عملاء بريطانيا المأجورون جعلوا يجوبون المدارس ويدعون ويزينون الانخراط في صفوف الجيش الانكليزي لمحاربة عنجهية ونازية الألمان التي تضعنا في أسفل السلم البشري تخلفاً، وانحطاطاً.

    تشد الدعاية تارة ازر الألمان، وتارة ازر الحلفاء، والشعب دائخ بين رحى الطاحون. يدور همس بين سامي وعادل:

    -كيف لا نحارب فرنسا التي طردت أبي من عمله، وهي حليفة انكلترا، كل يوم اضراب وقتلى وجرحى؟

    يجيب عادل:

    -تموج المدرسة بالدعاية وتملأ الآذان ويسكت عنها المدير.

    -سمعت أن الانكليز فتحوا باب التطوع، ما رأيك؟

    -أنا مؤمن بأن الاستقلال قريب، أنا ما زلت أفكر. الاستقلال قريب.

    -أنت تحلم يا عادل. تحكمنا فرنسا بسيف مسلط على رقابنا، لا جيش ولا أسلحة. دفعة عادل من كتفه ممازحاً:

    -والله كبرت يا سامي. هذا الرأس.. يملؤه شيء آخر غير كرة القدم.

    تحرك نحو مكتبه.

    من زاويتي رأيته يفرد خارطة سوريا، ويلون بقعاً بالأحمر والأزرق. رمى القلم من يده ونقر على الخشب، وتبسم رضى عن نفسه. لف رزمة ضخمة من أوراق في صحيفة أخرجها من صندوقه.

    اقترب سامي وربت على كتفي:

    -ليتني مثلك، أغبطك على جلدك واجتهادك، ألا تتعبين؟

    أحسست أنه بحاجة إلى إنسان يحكي معه.

    -سلمى، اسمعي، هل أتطوع مع الانكليز لأصبح شخصية عسكرية مرموقة؟ هززت رأسي مفاجأة:

    -لا أخي لا أرجوك، كل شيء ما عدا العسكر. أخاف منهم.

    -سلمى، معي سر أخفيه في قلبي عن الجميع، يكاد يفجر رأسي. احلفي بأنك لن تبوحي لأحد به، ورفع يدي بالقسم.

    -البارحة، بعد الانصراف لحقني عيّاد الليبي الذي نزح من طرابلس الغرب هرباً من إيطاليا. فتحنا حديثاً، شكوت له حالنا التي تنزلق نحو الإفلاس. عياد، لا بد أنك رأيته عندما طلب أطلس الجغرافية مني، الشاب الأسمر الغامق النحيل مثل مسلول، يعرج من قدمه اليسرى.. تذكرته الآن؟

    -تذكرت

    -حكى لي الكثير عن جيش الحلفاء. قال:

    تزيّن قيادة الانكليز سواعد الجنود بالأشرطة الذهبية إن أبدى أحدهم شجاعة وإخلاصاً لهم، للحلفاء ويرفع إلى مرتبة أعلى، ذكر لي أسماء نصف شباب المدرسة الذين تطوعوا على يديه.

    -وأنت؟

    -سأتطوع كجندي محترف.

    -ولكنك صغير.

    قال هذا شغله. يجب أن أترك الموضوع له.

    يبتسم سامي. تلون الأحلام رأسه، تهب معالم الرجولة على وجهه وترسم خطين من الزغب الأشقر فوق شفتيه وعلى صفحة خده. سألته متلهفة سعيدة بالسر.

    -يعني خلص، قررت.

    -لا يمكن التراجع. يجب أن أصبح شخصية وأحطم أنف مسيو شارل، بودي أن أخلص أمي من همومها. لم أعد أحتمل بكاءها. خلّفت أفكارها قبحاً على وجهها الجميل. أنا خائف ولا يمكنني التراجع.

    فيما كان "عادل" يوزع منشوراته المعادية للانتداب الفرنسي في الأحياء القديمة والمدارس ترك سامي البيت تحت جنح العتمة هائماً متستراً وعلى كتفه جعبة إلى محطة الحجاز حيث يتجمع الطابور أمام ميجر انكليزي للالتحاق بجيش الحلفاء.

    طمرت رأسي تحت اللحاف، ورحت أنشج. أترقب صباحاً صاخباً.. ما إن جهجه الضوء حتى اعترفت بسرّ سامي، وكان الأوان فات. عاف أبي المقهى من بعد. انطوى على خيبةٍ بابن غرٍ يلتحق بصفوف الأعداء.

    قاطع اجتماعات الرجال التي تدعو إلى الاضراب وإغلاق الدكاكين برأي منه.

    هل سقطت هيبته عن أولاده حتى وقع في مطب المشاكل خارج الخط الفاصل بين إرادته والمتغيرات القسرية. كيف سمح للهواء بأن يتسرب عنيفاً إلى زعامته؟ يتساءل دوماً في خلوته.

    تغير مالكو البيت في رأس الحارة. أجرته الأوقاف لصالح ورثة يتامى. زارتنا الجارة الجديدة. امرأة جهمة. وجه مدور طفح، قامة مديدة مرصوصة على الشحم. تبعتها فتاة فارعة القوام، جعداء الشعر منفوشة الغرة. شدت على يدي بقوة:

    -مرحباً.

    خرج من حلقها صوت رجالي ثخين مبحوح، توددتْ إليّ مبتسمة. ثم استدارت نحو أمي:

    -بيتكم حلو خالة. ربما في الصيف أحلى. ديار وياسمين وعنب.

    ردت أمي المجاملة منبسطة الأسارير.. بادرتها:

    -أنت أحلى.

    تلوت البنت بدلع.. وهمست في أذني:

    -أتذهبين معنا إلى السينما. الساعة السادسة ماتينه، فيلم عن غزو نجمة المريخ.

    شعرت أنها هدمت قسماً من السياج حولي، وفتحت لي طاقة نحو الهواء الطلق.

    -أذهب، أجبت متعجلة.

    -وأمك؟ غمزت بعينها.

    -لا أدري، مشغولة مع الضيوف، متى؟

    -بعد نصف ساعة. اسبقيني إلى رأس الحارة.

    -تصير الدنيا عتمة.

    -لا.. لا.

    يثير حديث ناديا مشاعري، ويذكي خيالي، الأبطال، المركبة الفضائية، الممثلة، الثياب العجيبة، الطيران، سألتها: ما اسم السينما؟

    -ربما الأمبير، أو اللونابارك في شارع بغداد قد تكون روكسي.

    تسللت خلفها ممغنطة. وجدتها تنتظرني، وإلى جانبها شاب يماثلها طولاً وشبهاً.

    -أخي زهير، أشارت إليه.

    ما إن اطفئت الأنوار في الصالة الضخمة حتى غرفت بخوف يكاد يفجر شراييني. طغى الرعب على كل متعة ممكنة، وصورة مدهشة. فماهمني لو هرب البطلان عليهما اللعنة في المركبة ذات الأزرار العجيبة ليغزوا المريخ. تقامزت النجوم أمام بصري مثل كرات لاهبة نارية انصبت على وجهي وكهربتني استجمعت شجاعتي ولكزتها.

    -ناديا متى ينتهي الفيلم ونعود إلى البيت؟

    -خائفة؟

    -لا أبداً.. يعني..

    ارتعشت حتى أخمص قدمي. كيف أعود؟ أغمضت أجفاني على صورة أبوي اللائبين الجزعين.. أفظع منهما أخي هشام الصعب..

    عندما غادرنا القاعة المذهلة برائحتها الرطبة الخاصة غرقت الدنيا في عتمة خلف عتمة. أطرقت برأسي إلى الأرض، وبلعت لساني. اقتربنا من حارة العفيف. لاح أمام ناظري شبحان عرفتهما تماماً. أمي وقد لفّت قامتها الباسقة المتكبرة بعباءة سميكة مقصبة تخفي ثيابها الموردة، وأبي ترج عصاه المفضضة الأرض. اختبأت خلف "ناديا" وأخيها ريثما عبرا الطريق إلى جانبي. لم أقو على مناداتهما.

    عند عتبة الباب ناولني أخي هشام صفعة رنانة لم أنسها طوال حياتي عمقت الهوة بيننا. أكد مرتين:

    -لا لأنك ذهبت، ولكن لأنك كذبت.

    قضيت ليلة رهيبة محبوسة في الحمام، أتصارع مع أشباح الظلام، أبكي وأتوجع بصمت.

    شغلت العائلة عني مؤقتاً بقصة سامي. طاردتني نظرات أخوتي اللائمة. ضيقت الدائرة حول عنقي. كانت الثغرة التي فتحتها تجربة السينما دونما إذن وقبلها إخفائي هروب أخي تزداد عمقاً يوماً بعد يوم.

    انطلقت بدوري أفكر بسامي من زاويتي المهملة بعيداً عن أحلامي. كتبت عنه، ومزقت ثم كتبت ما يجول في خاطري ورفضت الاستسلام تصلبت قدماي بقوة على الأرض. ها هو سامي متمرد آخر على قوانين جائرة يرفض الانصياع لأعراف العشيرة ويثقب تقاليدها ولا يبالي بالنفي.

    ابتسم القدر في وجهي انزاح ثقل العائلة عن كاهلي بعد حين.. هرب سامي من المعسكر، وعاد إلى البيت متخفياً في الليل. وقف خائفاً متهيباً يخشى مواجهة الأهل. رأته أمي. ذهلت عما حولها. فارت القهوة على النار وكسرت الفناجين. هبت العائلة كلها. وبعد قليل جاء أبي.. ألقى سامي نفسه على يديه يقبلهما بحرارة. ويبللهما بدموعه جعلنا كلنا نبكي ودموع الفرح تهمي على وجناتنا.



    لكنه عاد مقهوراً قلقاً زائغ العينين، يتناوشه هاجس الموت، بمفاصل هشة مرتعشة. عاد الكنار إلى القفص يغني موالاً حزيناً.. اختنق بأنفاسه مبكراً لأنه أضاع اتجاه الريح.

    اجتمع مجلس العائلة. وقفت أبكي خلف أمي. تأتأ مرات. ناولته كأس الماء استدار نحوي يريد أن يشهدني، ولكنه تراجع إزاء خوفي.

    "انتظرنا الطابور في محطة الحجاز. وجدت زملائي يودعون أهاليهم ويتناولون حقائب الطعام وعلب الحلوى من نوافذ القطار وكأنهم في نزهة إلى الربوة. كانوا في السن المناسبة بين الثامنة عشرة والعشرين، وكنت بينهم كالطفل الذي أضاع أهله.

    حشرنا في عربات القطار الخمس. دفعت حقيبتي الصغيرة إلى رف فوق رأسي. وانكمشت في مقعدي أراقب الأجسام الضئيلة والضخمة التي تهبط وتصعد حاملة حاجياتها. راجعت خطواتي مذ فكرت في السفر راودتني فكرة الهروب والعودة وقد وجف قلبي وحاصر الندم روحي".

    شهقت أمي دامعة.

    "فجأة أغلق باب القطار بإشارة من عصا الميجر الإنكليزي. أغلق كل منفذ في وجهي. ظلت يد شاب معلقة بكف أمه وهي تقبلها. وعندما تحرك القطار انتزعها بقوة وراح يبكي.

    خيمّ السكون الحزين على العربة هب أحدنا فجأة وأنشد بصوت رخيم: "موطني، موطني" اندفعت الأصوات الشابة خلفه بحناجر دافئة "موطني، موطني" يقطعها إيقاع العجلات مختلطة بالآمال تتماوج على وجوه شبان من أعمار مختلفة. شعرت بشوق خارق إلى أمي، إلى أبي، إليكم جميعاً. أوشكت أن أفقد وعيي، شعرت بتخاذل في أعصابي، انبجست الدموع من عيني بغزارة لكني قاومت النشيج خجلاً.

    تحركت نحو الباب، باب القطار. أسلمته جسدي المنهك، وفكرت بأبي الذي يتفقدنا كل مساء، فهدّني ضعفي، تراكضت الأشجار في الظلام، تلاعبني مرة وتختفي عني مرة أخرى.. بدت سيقانها مبقعة بالضياء ينثره نور القطار. رجعت إلى مكاني تاقت نفسي إلى كسرة خبز. اجتزنا دمر والهامة. تجاوز القطار عين الفيجة. انبسطت أمامنا سهول الزبداني قطعاً قائمة منسقة، تفوح منها رائحة الأرض المحروثة. علا صفير وفح ونحن ندخل أرضاً أخرى، استسلمت لنغمة وغفوت جالساً.

    صاح صوت:

    -رياق يا شباب..

    لكزت زميلي الذي غلبه النوم مثلي:

    -وصلنا رياق.

    رد بحسرة:

    من هنا تبدأ مسيرتنا نحو المجهول.. إلى فلسطين، نقطع حيفا، غزة.. ثم مصر أم كلثوم.. الأهرامات.. النيل يا الله..

    أفعمت الحرية صدري، تنفست الهواء ملء رئتي. كثرت الأقاويل عن دورة تدريبية. لم أع فكرة وأبعاد تلك الدورة فمن قائل سننتقل إلى الاسكندرية، وآخر.. لا بل إلى الصحراء، لا، إلى السودان.

    جهجه الضوء.. انتصف النهار، مررنا بسهول ومزارع وأناس تركوا صورهم في رأسي أغنتني عن رغيف الخبز وقطعة الجبن التي قدمها لي جاري. اعتذرت منه، فلم يكرر دعوته، راح يقضمها بصمت. وينقل ناظريه بأسى بين وجوه المسافرين، كان شعره حليقاً عند الصدغين، بريء النظرة، نحيل القامة لا يكاد يبلغ خمسين كيلو غراماً، ربما في مثل سني.

    قلت في سري:

    -قد يصبح هذا رفيقي.

    علمت أن اسمه "أحمد العنبري" من أطراف دمشق، فقير الحال، أبوه حلاب ماعز يدور على البيوت صباحاً.

    كنت متشوقاً للوصول، عكس زملائي، مفعماً برغبة التغيير والاستمتاع باللهجة المصرية، ها قد اقتربنا منها. مررنا بحيفا، لم يسمح لنا بالنزول، مجرد ترتيبات أمنية، تخللها لغط عسكر انكليز على رصيف المحطة."

    يسترسل سامي في رواية قصته، قلوبنا واجفة، وأعصابنا متعلقة بكل كلمة يقولها.. نتمنى بألا تنتهي، فكل حركة أتى بها تخصنا وكل حادثة مرت تهمنا.. نعيش معه في مغامرة كان يمكن أن يجد فيها نهايته.

    "مضى القطار يطحن ذكريات الأهل والحارة.

    صرخنا:

    -اقتربنا من مصر.. آه أم كلثوم.. جئناك.. دخلنا الاسكندرية. هب هواء مملح على وجهنا. شممت رائحة بيروت. توقفنا قليلاً في المحطة، ثم جر القطار عجلاته نحو القاهرة. نقلونا إلى شاحنات عسكرية تحت ستر الليل. سار موكبنا صامتاً حزيناً كجنازة، ثم أفرغ حمله منا كالقمامة عند بوابة حديدية لمعسكر كبير. تفرقنا إلى مهاجع مستطيلة ملأتها أسرة عسكرية رفيعة الأرجل سريعة الطي عليها بطانيتان.

    بدأت دورة التدريب بلا تأخير في الصباح الباكر لوصولنا. دورة تدجين بطيئة قاتلة.. ثم ها نحن وجهاً لوجه مع العمل المضني، حفر الخنادق، وردم الآبار، يا إلهي.. تصوروا.. ثلاثة أشهر، تسعون يوماً وليلة من الأشغال الشاقة. يأتيني وجه أمي في الليل وغضبة أبي، ودهشة أخوتي، يدفعني وضعي إلى الجنون، فأنخرط في حوار مع نفسي لا ينتهي ثم أبكي كطفل.

    شيئاً فشيئاً تبلورت الأمور في ذهني، فهمت أن الحرب ليست حربنا. وما نحن إلا عيدان كبريت تحترق أولاً.. غداً ستساق إلى ليبيا ونحارب؟ والعياذ بالله. وهكذا صممت على الفرار والعودة إلى دمشق. أحسست أنني كبرت عشر سنوات. دبرت أمر الهرب مع رفيقين لي من حي المهاجرين تلكأنا عن التدريب، تسترنا.. ومن خلف سياج هربنا كالقطط.. المحطة تعج بالجنود. ركبنا القطار من القاهرة باتجاه حيفا بإجازات مزورة. توقفنا في محطة حيفا. لم نر منها سوى أضواء العنابر التموينية المحاطة بأسلاك شائكة، والسكك الحديدية اللامعة في الليل البهيم تتحرك قربها أجسام عملاقة.

    تناولت الحقيبة وعصرتها على بطني. كنت قد اتفقت مع رفيقي من أهل الشام على إبلاغ أهلي وأهله فيما إذا أوقف أحدنا أو حوكم.. أو اغتاله رصاص الإنكليز.

    كان جوفي ينعصر بشدة وكنا جائعين. تلاقت نظراتنا عازمة، حازمة. هذه فرصتنا، فلنغتنمها، لكن هذه المرة بحذر وتدقيق وتعقّل".

    أكمل سامي:

    "تسللنا في حيفا تحت جنح الظلام إلى ظهر القطار كالعفاريت، يدفعنا خوف من خطر يشل أقدامنا، فلو أن دوريات العسكر المتواجدة ضبطتنا لكان مصيرنا الإعدام رمياً بالرصاص. انبطحنا على بطوننا مصلوبين هلعين.

    أسلمتنا رتابة العجلات على السكة الحديدية إلى نوم مربك قلق يهدهد أحلامنا الطفولية. أيقظتنا من خوفنا رجة قوية وصفير متواصل وصلنا بيروت.

    هرج ومرج على الرصيف.. العسكر العائدون بإجازة، وأهلهم المستقبلون.. تسللنا هابطين وحين ابتعدنا ووصلنا برّ الأمان توجهنا إلى كراجات الشام. رمينا الطاقيات نحو السماء نضحك ونلهو كالمجانين ونحن نسأل عن سيارة أجرة تقلنا إلى عائلاتنا.

    تحسسنا إجازاتنا المزورة في ساحة "فكتوريا" خوف مداهمة الشرطة ونحن في الزي العسكري. نفحت فينا حرارة الشجاعة، وأنقذتنا من رعب مميت. انحل عقد الرفقة في ساحة المرجة عند موقف ترام المهاجرين. تلفّت حولي. آه، يا دمشق، ما زلت حلوة نظيفة. رميت بجسدي على الحافلة مكذباً نجاتي، ألصقت أنفي وعيني بزجاج النافذة أتملى مشهد بردى يتراقص ماؤه في ضوء الليل. وبدأت أعب، أعب من هواء الشام، من تعبي، وخوفي، وشوقي. يا لحظي الذي تمطى كعملاق. فيما كانت تتخطفني اللهفة نشوان أحسست بلكزة في كوعي. استدرت مرتعداً، رأيت وجهاً مألوفاً. عرفت وجه عياد الليبي الذي هربني من بيتي وبلدي لألتحق بالجيش الانكليزي، عانقني بحرارة سألني عن أحوالي، ثم نظر إلى ساعته..

    -الساعة العاشرة ليلاً.. هل أنت في إجازة؟

    أجبت بريئاً:

    -معي إجازة، اشتقت إلى أهلي وبلدي، ولكني لن أعود يا عياد.. لمحت على وجهه ابتسامة صفراء عريضة لم أعن بملاحقة معناها فقد صرت في الشام، ولن يتمكن لا هو ولا أي عميل آخر أن ينتزعني منها. فجأة قفز عياد من الترام كجني، وانشقت الأرض عنه، لم أبال به.. إلى ألف جهنم.. وعندما وصلت البيت كان السكون يخيم عليه. وقفت أمام النافذة متردداً، حاولت اختراق الظلمة، من الدرفات الخشبية، عجزت، نقرت الباب بيدي سمعت خطوات سلمى وصوت باب يفتح، هدأ قلبي جاءني صوت سلمى:

    همست:

    -أنا سامي افتحي لا تخافي، رأيت سلمى تعاني نعاساً أثقل جفنيها. توقفت لحظة قبل أن ترتمي وتعانقني، خلصت قدمي من بسطاري العسكري.. ومشيت على رؤوس أصابعي غير مصدق أنني صرت في بيت أهلي. لكن في أعماقي خوف هصر أعصابي وألهب حساسيتي، فأنا أتوقع شراً وخوفاً من غول ما انفك فاغراً فاهاً مرعباً.

    توقف "سامي" عن الكلام وأطرق.. جالت عيوننا تتصفح وجوه الآخرين. لتتوقف عند وجهه المتعب. كان قد أخذ يبكي وينشج كطفل..

    انخطفت أمي إلى المطبخ، وعادت بكأس ماء. تناولها بيد مرتجفة، ورشف منها، رفع بصره تجاه أبينا الذي لفت بصره إلى ناحية أخرى. كان على درجة عالية من التأثير. لكنه ضبط أعصابه، ورفع سبابته:

    -لنأكل لقمة، أحس بالجوع. لا نعرف ماذا يخبئ الغد.

    شهقت أمي دامعة، رصت يدها على فمها، وقفزت مضطربة إلى الحمام تتقيأ الحزن صاح أخي هشام من قلب الدنيا:

    -العسكرية، ظننتها لعبة. لا تخرج من البيت، لن يتركك الكلب.

    كنا فعلاً على موعد مع الغول، قرع الباب ولما يُنه المؤذن قول: "حي على الصلاة، حي على الفلاح". شعرت بيد قاسية تقبض على صدري وتأخذ بخناقي. سرقت نظرة من ثقب المفتاح، لم أتبين سوى لباس عسكري. ارتعدت مفاصلي، عملاقان من البوليس الإنكليزي. ومعهما رفيق أخي في المدرسة "عياد الليبي" اثنان آخران. عرفنا فيما بعد أن صاحب الطربوش المائل الذي يمصمص شفتيه وأسنانه، ويعلك الكلام هو المختار. والثاني شرطي من مخفر المهاجرين، مصطبة.

    هبّ سامي حافياً خلفي. حاولت منعه، فدفعني عنه وفتح الباب، برقت عينا الأشقر بنصرٍ مؤزر، تكلم بعربية محطمة:

    -أنت سامي الشريف، يا الله، تعال معنا.

    نحى جسده العريض الذي سد الباب، فتسللت منه خيوط الفجر الأولى ونسمة رقيقة داعبت دموعي.

    أدخل سامي قدميه المتورمتين في البسطار الكبير وسلم نفسه بالبيجاما، غنمة طائعة مدت عنقها للذبح قبل أن يفيق أبي.

    صرخت وتعلقت بسترته.

    -لا تروح سامي، سامي لا تروح. انتظر بابا. جاء بابا.

    استدار نحوي:

    -لا أستطيع، يجب أن أذهب معهم حتى لا أعتبر جاسوساً.

    دفعه العسكري من نقرته إلى سيارة جيب، وقفت خارج الحارة، أبكي ملء عيني.. هب البيت بعد فوات الأوان..

    لكن سامي كان مضى.

    إلى أين مضى؟ هاجمتني أيدٍ سوداء وبيضاء. تسمرت في مكاني ارتعش خوفاً وترقباً. انقلب الفرح إلى عزاء وبتنا على جمر الانتظار. نلطش على واسطة خير أشهراً عدة. جمع أبي معلومات عن مفتاح يوصله إلى سجن القابون. وبعد أربعة أيام ظفر بجارنا متعهد الطرق شفيق العشا، وفواز الحلاق الذي يعمل لحساب الإنكليز، ويقدم خدمات مشبوهة.

    عاد متعباً من مشواره، طلب كأس لبن، وروى لنا بصوت متهدج قصة لقائه مع سامي في غرفة مدير السجن.

    -"لم أدر كيف تصرفت، وتصرف ساعتئذ، هجم علي واحتضنني وبكى أم هجمت عليه؟ أم تسمّر في مكانه؟ كانت لحظة غائمة تحجب الوضوح ربما قال:

    -هبط قلبي يا بابا، خفت من النداء، وكأنني أساق إلى حكم الإعدام"

    أفزعتنا أمي بنحيبها، رششنا وجهها بماء الزهر. سقطت مريضة بين الموت والحياة. وعم الأسى المنزل.

    مرت الأيام بطيئة تئن في أفئدتنا كأزيز ناعورة مهترئة. لا نقوى على الضحك، ولا الرضوخ لواقع أقوى من إرادتنا.

    قبل المغرب من أيام حزيران القائظة قرع الباب عسكري أسود الوجه لماع. ناولني ورقة مطوية عدة طيات أخرجها من محرمة في جيبه. وصلتنا أول رسالة مهرّبة من سامي.

    أهلي أحبابي.

    اعترف بضياعي ويأسي. أنا مشرد، ربما أموت غداً قبل أن أراكم.

    أحبابي. أتذكركم وأبكي، رفضت كل ما قدم لي من طعام، فاصوليا حب ورز. وحتى كار الشاي الأسود المغلي. أبكي ندماً حتى الصباح، ولا أخجل من ضعفي. استولت علي فكرة التخاذل فأسندت رأسي إلى الجدار، سمعت خربشة فأرة تختبئ في كيس طحين، دققت على الحائط عدة مرات ابحث عن إنسي. خيل إليّ أن جواباً أتاني من خلف الحجارة السميكة الصلبة السوداء، والأرض الباردة المقفرة إلا من بطانية. أعدت المحاولة اليائسة. توضح الجواب. جاءتني دقات رتيبة وسؤال عن اسمي باللغة العربية، ثم ظهر وجه الحارس الأسود الذي حمل ورقتي وسألني:

    -مسلمان؟

    -مسلمان.

    فهمت كما لو أنني أفكك طلاسم الجن، أن فرقتي رحلت إلى ليبيا لقتال الألمان. رجوته أن يوصل أمر سجني إلى أهلي، عاد بعد ساعة، ودفع بورقة وقلم من أسفل الباب.

    بت ليلتي شقياً، هل كتب لي عمر جديد؟ أحقاً هربت من مصر إلى دمشق لأنجو من الحرب.

    لعلكم حسبتم مجيئي حلماً من أحلام اليقظة. بت أنا أيضاً أسير أوهامي. تتلاعب بي يمنة ويسرة. قادرة على ابكائي، وعاجزة عن تخفيف الرعشة، رعشة الرعب التي تلاعبت بي كورقة صفراء.

    أهلي

    علمت أن الواشي "عياد" كلب الانكليز، وأنه عميل مزمن للمخابرات البريطانية في دمشق. عمله التقاط الأغرار أمثالي.

    بعد أن غادرني أبي، رمينا في شاحنة عسكرية كالغنم. رؤوسنا متلاصقة، وظهورنا إلى الشارع. في محطة الحجاز رأيت القطار الذي مهد لي سبيل اللقاء بكم.

    رافقني "عياد" إلى بيروت عن طريق "رياق" ويده على المسدس شعرت برغبة عارمة في ذبحه.

    تأبط ذراعي عسكريان أجنبيان، وساقاني إلى السجن دون أن يتمكن ابن خالتي عبد الرحمن المقيم في بيروت من تهريبي بطلبٍ منكم. يرن صوته في أذني.

    -سامي، أنا عبد الرحمن. ابن خالتك.

    أحسست بأهميتي. يداي مطوقتان بقيد حديدي كأعتى المجرمين. رميت منفرداً في سجن الحرس. عقد الخوف لساني تساءلت ببلاهة: كيف تسربت من أيدي أهلي وأمام أعينهم في بيروت.

    تعرفت في السجن على قافلة الموت. كانت مؤلفة من ثلاثة عشر افريقياً أسود. داخلني الخوف. انكمشت على بعضي بادئ بدء. كانوا مثل الليل. ظلام بظلام، وعتمة في عتمة. دفعت قدمي بالباب وأسندت ظهري إلى الحائط. ونمت كالقتيل.

    تنبهت على بربرة غريبة من حارس سنغالي يحمل الفطور جبنة زيتون ومرملاد. قال بلكنة عربية مشوهة:

    -مسلمان، الله محمد، ووضع يده على صدره احتراماً وردد:

    -مسلمان:

    -مسلمان.

    قفزت الفرحة من عيني. ها هو بني آدم آخر قريب يتحرك أمامي بلحمه ودمه. سحبت قدمي من الكوة القصيرة المقضبة بحديد أسود.

    لوحت بيدي وهتفت: -مسلمان.

    طق مفتاح ثقيل بالقفل. أخرجني حارس إلى المهجع المقابل. خلصت بدني من الخوف. انتابني شعور مخدر وأنا أسير نحو رفاقٍ سجناء جدد، لعلهم هاربون من عذاب ما، من وطن محتل مثل وطني. بدأت يداي تلوحان، تترجمان بلغة الخرس. عجبت من رقتهم وليونتهم، حكيت قصتي من خلف القضبان، وحكوا قصتهم من خلف القضبان. كانت ألوانهم الأبنوسية السوداء اللماعة بداية الدرب الوعر الذي قادهم إلى الجلد والذل والسجن كنفايات أفرزها الإنسان الأبيض تحت شمسٍ محرقة.

    الأسود في خدمة الأبيض، يدفع الأسود ضريبة لونه، لعله أخيراً يدرك أو لا يدرك بأن الحياة له إلا مع مجموعته. يعيش معهم ، ويفنى معهم.

    كانت قافلة الموت أمامي أشبه بأيدٍ عارية مغلولة مبتهلة.

    فهمت بصعوبة أن مأساتهم الأزلية تكمن في غنى أرضهم، وفقرهم ولونهم.

    وفي ليلة قائظة حيث امتزج الدم بالغضب، قررت الكتيبة السوداء قتل كابتن انكليزي لأنه جلد رفيقهم بالسوط حتى الموت. وعندما اكتشف الأمر، انتقى الانكليز واحداً من كل كتيبة متطوعة لينفذ حكم الإعدام به رمياً بالرصاص انتقاماً وعبرة.

    يسوق الحراس رفاقي السود إلى المحاكمة في السابعة صباحاً، ثم يعيدونهم كالغنم في الثانية عشرة. أربعة أيام متتالية دورت عيونهم كحبة المشمش وفرغت الدم من أبدانهم.

    تنهد أبي، وطوى الرسالة. تعلقت عيناه لحظة بها، ثم ردد وكأن الغرفة خالية إلا من شبح أمي:

    -نامي، نامي يا امرأة. الصباح رباح: عيدنا بمولد نبينا. ثم صاح وعيناه إلى السماء. اللهمّ إني صائم عن الطعام حتى يخرج سامي من السجن. بكينا حتى جف الدمع من عيوننا.

    انزوت النسوة من بعد، كل في دارها يندبن حظ أمي العاثر. وشباب أخي.

    انبلج النهار ساطعاً بشمس قوية نفضت كدر الأيام السابقة. خرج الناس إلى أعمالهم. فالأفواه مفتوحة، والغلاء يتفشى، والجوع يدخل البيوت المستورة بعد أن أضحت الإعاشة "بالبونات".

    قامت مظاهرة ضخمة، كسرت نوافذ المدارس وأغلقت الدكاكين: جوعانين جوعانين رطل الخبز "بثلاثين قرشاً" ارتأى بعض من الوجهاء أن تتحمل الحارة جزءاً مادياً من مسؤولية حارة الفواخير الفقيرة المجاورة بعد اعتقال سبعة من شبانها وزجهم في سجن القلعة.

    في تلك الأيام الصعبة دخلت أرجل غريبة إلى بيت كبير مهجور منذ سنوات يطل على خط الترام. جاءته عائلة مهاجرة من اسكندرون.

    لم نر رجلاً واحداً من سكانه. بل ثلاث أجيرات يافعات قويات البدن تعاون مع عتالة على تفريغ الشاحنات الكبيرة المليئة بالخيرات من برغل وأرز وخوابي السمن البلدي، وتنكات الزيت في زمن الشح والاضرابات، وما هي إلا أسابيع حتى أسدلت الستائر المخملية على النوافذ وتم تنسيق الحديقة التي تفصل البيت عن الشارع بشتلات ورود ملونة. فجأة دبت الحياة فيه.

    كان البيت كبيراً جداً طوابق ممتدة نحو الشمس بمستويات متدرجة داخلية على بساتين الحواكير.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    بنات حارتنا ج2
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتديات طحله :: الفنون الجميله........مش هتقدر تغمض عنيك :: منتدي الفن الجميل-
    انتقل الى: