منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بلد العلم والعلماء .. بتقلي يا () ليه راسك مرفوعه وعنيك قويه اقلك شكرا دا طبع الطحلاوية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسم الله الرحمن الرحيم السادة الافاضل اعضاء وزوار ومشرفي ومديري منتديات طحله السلام عليكم ورحمه الله وبركاته نوجه عناية سيادتكم انه بدء من الان سيتم الارقاء بمنتديات طحله وتفعيلها بالشكل الذي يتناسب مع بلد العلم والعلماء بقرية طحله ونتمني من الجميع المساهمه معنا في هذا الشأن نشكركم ونتمني مزيدا من التقدم والرقي
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
مواضيع مماثلة

    .: عدد زوار المنتدى :.

    الساعه الآن بالقاهرة
    المواضيع الأخيرة
    » استراتيجيات التعلم النشط وتطبيقاته
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد أبريل 21, 2019 7:11 pm من طرف slimsskhab

    » حل نهائي ومجاني للقدم السكرية
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد أبريل 14, 2019 11:47 pm من طرف slimsskhab

    » مجموعة الشعر فوريفر .. كافة المنتجات
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالخميس أبريل 11, 2019 12:59 am من طرف slimsskhab

    » افضل موقع عربي لمشاهدة و تحميل الافلام و المسلسلات و البرامج
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد مارس 24, 2019 3:40 pm من طرف slimsskhab

    » شاشات ليد داخلية وخارجية توريد | تركيب | صيانة بافضل سعر في مصر
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالسبت مارس 23, 2019 1:15 am من طرف slimsskhab

    » دورات للأطباء والاختصاصيين العرب
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالخميس مارس 21, 2019 6:52 pm من طرف slimsskhab

    » الدكتوراه والماجستير البحثية في الهند
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأربعاء مارس 20, 2019 2:35 pm من طرف slimsskhab

    » بيع ادوات ومنتجات لعبة هاي داي hay day
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالإثنين مارس 18, 2019 3:41 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع أحلامي لايف
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالسبت مارس 16, 2019 8:11 pm من طرف slimsskhab

    » سارع بالحصول على اكثر من 500دولار شهريا من ميرش باي امازون
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد مارس 10, 2019 2:49 pm من طرف slimsskhab

    » الجهاز الرائع المهدئ و المُريح لمفصل الركبة (إنه حقا يعمل) أطلبه الان
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأربعاء مارس 06, 2019 7:25 pm من طرف slimsskhab

    » لايكات علي اليوتيوب 100 لايك مقابل 5 دولار
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد مارس 03, 2019 4:00 pm من طرف slimsskhab

    » مكتب دراسة جدوى بالكويت
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالجمعة فبراير 22, 2019 9:55 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع الفوائد ,,
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد فبراير 17, 2019 3:01 am من طرف slimsskhab

    » اشهار منطقة القليوبيه للكرة الخماسيه البنتابول
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد يناير 27, 2019 2:32 pm من طرف admin

    » النسخه الريباك من لعبة البيسبول الشيقه Major League BaseBall 2k12
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 09, 2015 6:04 am من طرف وفاء محمد

    » القارىء مشاري العفاسي ~ الرقية الشرعية كاملة [ رائعه ]
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد أبريل 12, 2015 10:32 pm من طرف نور الهدي

    » فك الربط بمن اصيب بسحر الربط ...
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأربعاء فبراير 04, 2015 6:47 pm من طرف admin

    » اختطاف المرشح احمد النادى
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالأحد سبتمبر 28, 2014 3:27 pm من طرف وفاء محمد

    » اهلا احمد مسي
    بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالسبت سبتمبر 20, 2014 12:14 am من طرف admin

    اعلانات مهمه
    للدخول إلى الصفحه الخاصه بالفيديو واللقاءات مع مرشحى
    مجلس الشعب 2010 عن دائرة بنها
    فقط اضغط


    هنــــــا
    أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
    admin
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    محمد كمال
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    3g
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    تصويت
    هل من رايك منتدي قرية طحلة يحتاج الي؟
    الكثير من التطوير
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcap100%بنات حارتنا     ج3 Vote_lcap
     100% [ 4 ]
    القليل من التطوير
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج3 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا يحتاج الي التطوير
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج3 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا اعلم
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج3 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    مجموع عدد الأصوات : 4
    مكتبة الصور
    بنات حارتنا     ج3 Empty
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 73 بتاريخ الثلاثاء مارس 05, 2024 5:38 pm
    منتديات طحله
     .منتديات طحلة تشكر الاعضاء والزوار علي ثقتهم الغاليه في منتداها
    أفضل 10 فاتحي مواضيع
    admin
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    اسلام شحاته
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    محمود عفيفى a
    بنات حارتنا     ج3 Vote_rcapبنات حارتنا     ج3 Voting_barبنات حارتنا     ج3 Vote_lcap 
    اضغط وتعرف علي الساعه فى مدن العالم المختلفه
    Place holder for NS4 only

     

     بنات حارتنا ج3

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    د/امين عادل امين
    مشرف اقسام
    مشرف اقسام
    د/امين عادل امين


    البلد : مصر
    الجنس : ذكر
    الابراج : الحمل
    العمر : 36
    العمل : دكتوراه في القانون
    تاريخ التسجيل : 03/09/2009

    بنات حارتنا     ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: بنات حارتنا ج3   بنات حارتنا     ج3 Icon_minitimeالجمعة مارس 05, 2010 10:30 pm

    ألف الناس منظر أقراص الكبب المدورة الشهية، ورائحة السمن البلدي تحملها الخادمتان صبيحة وصليحة على رأسيهما إلى الفرن. تنادي الحناجر مخنوقة: جوعانين جوعانين رطل الخبز بثلاثين. وتنهال الحجارة على نوافذ الترامواي من النقيفات والمقاليع المشغولة بأيدي الأمهات، على ساحة المرجة. انتقاماً من صاحبته فرنسا يشد الأطفال السنكة عن المسار الكهربائي. يتعلق الشباب بالرفراف وأصواتهم تلعلع:- حكم لصوص.. حكم لصوص خونة.

    ترددت إشاعة بأن رب البيت المهاجر من اسكندرون سيصبح وزيراً للمالية. كان الوزير المرتقب طويلاً نحيلاً كعصا، ولكنه يملك عقلاً حسابياً وبناتٍ لا أجمل ولا أحلى.

    تنبأت العائلات لهنّ بحظٍ يفلق الصخر.. ولم تمض أشهر قليلة حتى خطبت الجميلات إلى شبان أصلاء سلبوا أحلام كل فتاة في المهاجرين.

    تبتسم الحياة لبناته، وتصبح الدنيا خادمة طيعة بين أيديهم. تقول أم مصطفى الأرمل:

    -الحظ يجرّ الحظ. والفقر يجر الصئبان.

    -جمال وكمال. ما شاء الله ترد أمي.

    -أعوذ بالله. تنفض المرأة ثوبها عن صدرها.

    فيما كنت، أنا وسامي نتلقى الصدمات المتلاحقة ازداد عادل ثقة واقتراباً من أبوي. أبدى صبراً وتنظيماً لحياته خططهما بفهم وتوازن.

    أهدته أمي دون اخوته صندوقاً خشبياً أثرياً مصدفاً بنحو فني رائع. أغلقه بقفل نحاسي.

    كثرت التكهنات حول ما يحتويه هذا الصندوق من أسرار يخشى عليها. استغل هشام وجود عادل بالحمام وكسر القفل مدفوعاً بفضول جهنمي. ماذا وجد؟

    قصصاً، وروايات ورسائل مغفلة من الاسم والعنوان، وأقلاماً للرسم وصوراً مرسومة بالحبر الصيني لشخصيات معروفة شكلها على مزاجه، ورسماً مكبراً لسميرة فاتنة الحارة. فما كان منه إلا أن جمع الأوراق كلها ودفع بها إلى موقد الحمام. ساعتئذٍ بردت نيرانه.

    خرج عادل متوهجاً كالجمر ينشف شعره الحليق عند الصدغين. فرأى المنظر.. الصندوق مفتوح، والأغراض مبعثرة. نفر الغضب من عينيه.

    رد هشام متباهياً:

    -لا أسرار في هذا البيت.

    جُنّ عادل، خرج عن طوره لأول مرة في حياته هجم على أخيه يحاول خنقه. كيف يعتدي على حريته وملكيته؟ جره من رقبته، ألصقه بالأرض. لم يوقف الصراع سوى والدي الذي أطل وهو ينقر على النافذة. قال بحزم يفصل بينهما:

    -فنجان قهوة يا هشام، تجرب عضلاتك مع أخيك. النادي الرياضي قريب. انحشرت بين الخزانة والجدار. صمت كل شيء إلا زفرات مكبوتة مهانة في صدر عادل.

    ظفر هشام بشيء أسقط الحجاب عن الوجه الوقور الكتوم. ركضت ألملم بقايا مزق الأوراق المبعثرة.

    ارتمى عادل على سريره محنقاً كحيوان ذبيح.

    سارت الأمور داخل العائلة دون أحداث تذكر. لكن المدينة لم تهدأ، تأججت بالمظاهرات تدعو إلى حكم وطني لا يأتمر بأمر فرنسا.

    لم تتغير دورة الحياة. تابعت خطها بزخمها الفوار. هي الأقوى. نجح عادل بالبكالوريا قسم الرياضيات.

    يلذ لعادل صيفاً أم شتاءً،... عادة يومية.. أم يحمل كرسيه الخيزران ويتأبط كتابه ويجلس في رأس الحارة المشرفة على شوارع عده.. يقرأ ويتسلى بمراقبة الناس، وفي نيته المخبوءة أن يلمح فتاة أحلامه سميرة عائدة بباص الكلية يحمر وجهه، يغض الطرف إذ تمر مسرعة وتلقي التحية:

    -مرحباً، عادل.

    وتشاء الظروف السيئة أن تقع سميرة في غلطةٍ ترافقها مدى العمر. لمحها عادل مع شاب أسمر وسيم الطلعة في عربة يجرها حصانان. نزلت في مكان غير بعيد عن رؤياه قرب جادة الحواكير.. عادت منتشية لاهية تدندن نغماً شائعاً. لم يصدق عينيه، رفض الحقيقة. أحزنه ما رأى من فشل وتطلع نحو الغريب لم يتوقعه. طار صوابه دون وعي، لحق بالعربة. هجم على الشاب جره من نقرته تلوى الرجل بين يديه مباغتاً متملصاً. ركله عادل بقدمه على بطنه طرحه أرضاً. داس على رقبته وهو يصرخ:

    -كلب حقير والله. لو رأيتك ثانية تُدردر ناحية الحارة لقلعت عينيك، لأعدمتك. والله أعدمك وأرميك مثل كلب في الشارع.

    تجمع الناس. نفض عادل ثيابه، ونفض الغريب بنطاله. هرول أبو شاكر السمان، يتبعه جاره الحمصاني يوسف وهو يترنح من السكر:

    -اتركه لي، دعه لي. أنا أربيه. يظن بنات الحارة داشرات. تبسم عادل، انتزع يوسف ضحكة من قلبه.

    -شكراً يا يوسف، أنت قدها وقدود. ضحك الناس وتفرق الجمع. نفخ عادل الهواء ثقيلاً من رئتيه. مسح أنفه من الدم. أحس بأن ضلعاً سقط من صدره. تضخم الخبر في الحارة وبين الجيران وسعى البعض إلى توسيع الفجوة فبنوا سداً منيعاً لالقاء بعده. تنبهت سميرة من غفلتها. حاولت استرضاءه واستعطافه واغراءه. عبثاً، باءت محاولاتها بالفشل. وأخيراً جربت الرسائل. وقع بعضها في يد رفيقتها سها القاطنة الجدار بالجدار، الباب بالباب، فأوصلت الأخيرة الأمانة إلى غير أهلها، غير مبالية بالنتائج الخطيرة.

    تمرغت سمعة البنت بالوحل، وحرمت من المدرسة فبقيت حبيسة الدار تنتظر العريس الذي لم يأت أبداً.

    مدح أبي ابنه أمام الرجال:

    -ابني زكرد، لاقواد، يجب أن يفهم الجميع.

    منحته "الزكردية" ثقة على ثقة، أضحى الفكر المخطط والمنظم لشؤون البيت، وزعيم شباب الحارة. يحرض على الإضراب، ويدعو إلى المظاهرات ضد الفرنسيين، ويقود بعضها: بل ويكتب المنشورات.

    التقي ليلى أخت سها "لطيفة ظريفة، نسير إلى المدرسة، نشتري كعك الدبس والتماري تتبعني كظلي. دعتني إلى بيتها كي نستظهر قصيدة: لبلابة قالت لنجم مرة يا طول صبرك. حددت أمي الوقت اللازم والمسموح به.

    -نصف ساعة، فهمت يا سلمى، لا أريد مشاكل مع المجنونة سها هذه خبيثة. لا تتورع عن أية دسيسة.

    -أعرف ماما.

    تحاصر سها عادل تنقل أخباراً ملفقة عن سميرة. طورتها إلى دسائس سخيفة وحقيرة بمساحات تافهة. يتلبسها شيطان يأبى الهزيمة. صفعها عادل مرة على وجهها صفعة أنستها عمرها، صرخ في رأسها:

    -إياك أن تقتربي مني. مجنونة مهسترة. قضيت على سميرة. والآن تبحثين عن ضحية أخرى. أحب رائحة الياسمين في بيت ليلى. دخلت وراءها وجلة. نقزت سها عندما وقعت عيناها علي، قامت من سريرها، ولطمتني على خدي انتقاماً من أخي، وعادت إلى اضطجاعها تنتظر ردة فعلي كي تكمل نهمها إلى الشر.

    شدتني ليلى من يدي هامسة:

    -لا تردي عليها، مجنونة. سأشكوها إلى أمي.

    اندست مع سها تحت اللحاف.. خادمة ممصوصة بلهاء هبطت من الضيعة مع أبيها الفقير بحثاً عن الخبز. فجأة راحت تقبل سها من وجهها وفمها، وتداعب ثدييها.

    صرخت بشدة:

    -يا مجنونة، سأحكي لأمك.

    اهتز السرير هزات متسارعة، ثم همد أخبرت أمي بما رأيت فضربتني على فمي.

    -ما دخلك؟

    تنسى الحارة همومها. تهب ودودة تمديداً حميمية فرحة لتحضيرات العرس للفتى البكر إبراهيم بن رفعت الحموي. يرفل إبراهيم ذو الوجه الناعم الأنثوي بالدلال في حضن والده صاحب المكتب العقاري لبيع أراضي الغوطة الشرقية.

    يلعب رفعت الحموي بالمال لعباً رغم أن جذوره على وجه الأرض. يتلاعب بحياة الفلاحين البسطاء، يتحكم برقابهم يبيع ويشتري ويؤجر ويضمن من يشاء. تدور همسات بين كبار الحارة حول حقيقة عمله. تظل الهمسات مكتومة ومكبوتة في الصدور ترمى عيون زوجته المخلصة الرائعة. تفلت أحياناً كلمات بين الرجال حول صداقة مشبوهة بناها مع حكومة الانتداب، واتكأ عليها وإلا كيف تخلص من السجن وأيدي الشرطة بعد صفقة الحشيش المهربة من بعلبك.

    - الغاية تبرر الواسطة، يطعمها صغيرة، ويأكلها كبيرة، يعلق عادل:

    - لكل شيء نهاية. يرد أبي متيقناً

    تضيف والدتي:

    - من أجل عيني أم إبراهيم أمد يدي إليها. مغلوبة على أمرها، مطيعة، مسايرة، ذكية، مقهورة، يحركها كيفما يشاء كقطعة أثاث

    تجددت الحياة بنغم جديد ولون حديث. ودعنا الصمت والانطواء على ذواتنا. فردت الأقمشة الغالية عند الخياطة مسرة التي كلفت بملابس العروس عرض أبي بيته الكبير لتلبيس العريس، والزفة والعراضة. وكأنه تناسى قصة ابنه سامي.

    همس هشام في أذن عادل:

    - يا رجل ستأتي ناديا العريس مع فرقتها خصيصاً لعرس إبراهيم

    - سمعت أن ملكة جاجاتي أيضاً قد تأتي... يا زلمة كيف تعرف عليهم واحدة إثر واحدة، وكأنه خلق في كاباريه؟

    هيأتني أمي كي أحمل ذيل العروس، فاشتريت لي ثوباً من الأوركنزا البيضاء، تفننت الخياطة في إبراز موهبتها زينته بشريط من الساتان الزهري التف حول الكتفين العاريين لينسدل إلى الأرض. وأخذتني أمي إلى الحلاقة((ماري)). يقع بيتها على بعد خطوات من حارتنا. تطل غرفة تصفيف الشعر على الطريق العام حيث يمر الترام التقط دردشة النسوة المفرعات بملابس مكشوفة الصدر والأكمام. مشهد كرنفالي حقيقي شكلته لفائف التجعيد الملونة على رؤوسهن. من هذه الدكان تخطب معظم البنات. ويعرف المرء خفايا ودقائق الحياة الزوجية وحتى العامة، والاضرابات. وبين الحين والحين تقطب الحلاقة((ماري)) عينيها، وتعض على شفتيها محذرة من أم مصطفى.

    - الحيطان لها آذان.

    كانت أم مصطفى راديو الحارة الجوال من بيت إلى بيت.

    حشرتُ مع الأخريات في الجو الخانق، ورائحة الشعر المحروق المكوي تثير الدمع في عيني. قطعت أمي حديثها مع جارتها، مدت يدها ببكلة على شكل زهرة المرغريت اشترتها من صالة((آ- ب، ث))

    - جدائل يا ست ماري. الفرق على اليسار. رجاء، موديل يناسب سنها، أنت صاحبة ذوق يا ست ماري.

    - على عيني، ولوْ، تغمز الحلاقة بعينيها الكحيلتين. ويبين((الروميل)) كثيفاً على أهدابها القصيرة.

    في السادسة. علقت أم إبراهيم بيدي، ويد ليلى، وناديا سلة أزهار صغيرة مليئة بالملبس. ربطت بشرائطها أرباع ليرات ذهبية حقيقية لتنثر على العروس والعريس. تعيد كلامها مع أمي.

    - العروس، صورة مصورة يا أم هشام، سبحان من خلقها. من عائلة مستورة، عجينة لينة، عرس مطنطن.

    - يا ليت يا أم إبراهيم، واللّه عتم قلبنا

    تلألأت العروس ابنة الرابعة عشرة بتاج ماسي رصع جبينها الأبيض، تهادت أميرة بثوب الدانتيل الأبيض كشف عن كتفين مستديرين ورص على خصر نحيل زنار طرز باللؤلؤ والماس.

    جلست مع رفيقاتي عند قدمي العروسين. انكبت المدعوات على الأرض يلتقطن قطع الذهب المرشوشة تيمناً بالأفراح الدائمة.

    تلوب عينا العريس بين الصبايا تتنزهان بحرية.

    وشوشت أم هيثم:

    - حظ، انحرف الحظ عن بنت العائلة. هاقد شارفت ابنتها جميلة على الثالثة عشرة ولما تتزوج بعد.

    رجعت الحياة إلى طبيعتها. عشش حديث العرس في السهرات، حديثاً لا نهاية له عن الآبهة والحرير الذي غلف الأعمدة في الديار وفوتيكات مستأجرات قدّمن الضيافة بلباقة وخبرة وحسن تصرف.

    لم ينس الناس طعم الحلوى والمحلاية عندما مزّق الصراخ المرير هدأة الليل.

    تيبسنا في أسرتنا، تعلقت عيوننا ببعضنا، تسرق آذاننا مصدر الصوت.

    - خير إنشاء اللّه، نّحى والدي أمي التي اعترضت دربه وخرج يستطلع الأمر:

    - أبو سعيد، شنق نفسه في الضيعة، الحكي كثير

    استدار نحو أخوتي: فضيحة إثر فضيحة:

    - البلاء الأعظم، انتبهوا يا أولاد ملأت الشرطة الحارة، تستجوب ما هب ودب من الجيران. لا حول ولا قوة بدأت تنهار الحارة. تحركت أشباح النساء إلى بيت الميت يضربن كفاً بكف:

    - يا حسرة عليك يا أم سعيد، واللّه بنت أكابر، من فم ساكت. جرت أم مصطفى جسدها البدين الملفوف بعباءة سوداء نحو أمي بدت كغراب أسود جاحظ العينين.

    - يا ستي، الولد سعيد عاق، علق فلاحة وتركها حبلى مرمية في بيت أهلها، الولد لا شغل ولا عمل، على كلمة هات، وذبح خرفان، افتضح أمره، طار صواب الأب وفقد عقله.

    عقبت أمي سريعاً:

    - فشنق نفسه، حرام عليك يا أم مصطفى من أين جئت بهذه الحكايا، المجالس بأماناتها.

    ارتمت أم سعيد على الديوان المخملي معقودة اللسان هادئة تحت وطأة المفاجأة.

    صوت الرجال:

    - الفرح مثل العزاء يحتاج إلى قلوب حنونة.

    - ترحيل الميت إكرامه. نبر أبو فايز

    فرش موت أبي سعيد عتمة على القلوب. فمن عرس إلى موت كبرت فيه النميمة. مات. وظل السر سراً مدفوناً في صدر القتيل.

    تستعيد الحارة صحتها. أشرف العيد على الأبواب وحجزت صاجات المعمول من الأفران. ارتخت الحياة مجدداً بعد نقلتين متناقضتين.

    عاد أبي وإخوتي من صلاة العيد. دفع أجير الخباز معجن الخبز النحاسي إلى قلب الدهليز الطويل. فاحت رائحته الزكية ممزوجة بالمحلب والمسكة.

    بح صوت غريب خشن.

    - يا اللّه

    - تفضل. تفضل

    ركضت أمي متلهفة تحمل كأس ماء الزهر، قبلت يد الضيف الكبير الذي تضمخ بالبخور والمسك والعنبر، تراجفت نحو الباب احتراماً وصاحت بصوت دافئ:

    يا أولاد، زارنا النبي... الشيخ أحمد في دارنا. غيروا ملابسكم البسوا ثياب العيد. وتعالوا.

    عبقت رائحة البخور في الصالة الكبيرة. انبعثت فاغمة من ملابس الشيخ أحمد. تسمرت حائرة أمام هيمنة شيخ جليل على هيبة أبي اقتربت منه. مدّ لي يده مشجعاً. تحولت عنها إلى رأسه رفعت عنه الطاقية البيضاء شغل الإبرة، ووضعتها على رأسي. درت متباهية. شدني هشام من جديلتي وصاح بي:

    - هات الطاقية. استح أمام الشيخ أحمد، ما عاد فيك حياء. لن تكبري. روحي حضري الطعام مع الوالدة. رميت الطاقية على الأرض وهربت.

    سكنت خاطري جاذبية الأراجيح التي تنصب في ساحة الحارة.

    وهبت رائحة السينما رائعة رطبة فتحت أبوابها أمامي.

    - مدت ليلى رأسها. شعرها مجعد مكوي تدلت من رقبتها سلسلة ذهبية تعلقتها سمكة

    - سمكة؟ أمسكتها مهتاجة بكلتا يدي. لعبطت بين أصابعي.

    وقف هشام يتأمل ليلى. جسد عبل مرصوص بنضارة الصبا. تلوت بدلال ورمقته بنظرة أنثوية خارقة لكل براءة. نظرة صريحة مغناج.

    قالت: سنذهب إلى الأرجوحة. ثم إلى السينما فيلم حلو كتير((ليلى بنت الفقراء)) بالروكسي.

    - وحدكما؟ سأل هشام:

    رد عادل من الداخل:

    - أنا.... معهم موجود.

    - نحن صغار، أجابت بصيغة الجمع.

    قهقهة عادل واقترب من الباب. سرقت عيناه زري الورد في صدر ليلى. نبر ممازحاً على غير المألوف.

    - كبرت واللّه يا ليلى، البارحة كنت صغيرة. وأحملك على كتفي.

    لحقت أمي بنا:

    - يا بنت، لا أريد مشاكل. الأرجوحة قربنا، لا تذهبا إلى الجسر الأبيض.

    - طيب، طيب. طرنا، قفزنا، لهونا، أصبحنا فراشتين بيضاوين. تعبنا. داهمتني أحلام اليقظة في طريقنا إلى السينما. رقة حديث الممثل. همساته الناعمة. أحسست برعشة لذيذة وددت لو طالت.

    عينا صبي مراهق رافقا زهوي. أتعثر به يومياً في طريقي إلى المدرسة. ها هو قربي يبتسم، يدير ظهره ويمشي على الرصيف المقابل. يرفع يده مسلما

    لم يجرؤ على الكلام معي. كان قصيراً لا بل كان معتدلاً. شعره خرنوبي، وعينه -ربما- زرقاوان، خضراوان أرى ألقهما من بعيد. وأنا بدوري ما كنت أقوى على رد سلامه، وأنا المفعمة بخوف ضبابي من الجنس الآخر يلاحقني كظلي حتى أصبح طيفي الحقيقي.

    - كبرت يا سلمى، أضاف عمي العائد من قرية السنابل على حدود الجولان يهيئ صفقة مع تجار الميدان لبيع القمح. يحمل في تقاطيعه فحولة الرجل الجبلي الهارب من سهوب باردة. يخرش صوته الأجش مسمعي.

    كان عجيباً في شكله. غريب السمات، لا هو بالعربي، ولا بالأجنبي. يحمل فوق عينيه المكحولتين حاجبين أسودين كثيفين يميزان شكله عن بقية إخوته الشقر.

    يداه كبيرتان سرعان ما تتحولان إلى أنامل سحرية تحكي حباً، لهفة، إذا أمسك العود.

    كان العود هدية أبي لأمي عندما تزوجا، جاءها وقتذاك بمعلم تركي الأصل اسمه((شوقي بك)) أكبر عازف كمان في دمشق. وعندما درجت أصابعها على أوتاره، وحفظت أنغام الحجاز كار، والنهوند ورقصة((ستي))، كر الأولاد من بطنها واحداً إثر واحد، حتى قضوا على موهبتها.

    تردد في صفائها:

    - ينعصر قلبي كلما سمعت رنة العود فأبكي.

    ربما رضعت هذه الحساسية منذ كنت نطفة في رحمها. أحببت الموسيقى هاجسي الغرامافون الأسود. مسحورة أمامه. كيف يخرج الصوت من جوفه نقياً رائعاً. حفظت معظم الأسطوانات.((كلنا يحب القمر، أراك عصي الدمع، يا جارة الوادي، أحببت شنشنة، جفنه علم الغزل)) اللحن راقص والكلمات جميلة. كم اسطوانة شطبت وجهها بقلة درايتي؛ من بعد حرمت الاقتراب من الغرامافون.

    في يوم كنت مع الغرامافون رن جرس الباب خبأت الأسطوانات، وأقفلت الحاكي. أطلت ((باهية خانم)):

    - أمك موجودة يا سلمى.

    - لا. عند طبيب الأسنان. تفضلي

    رفعت الغطاء الأسود عن وجهها لتجفف العرق. بان طرف خدها. جلد أبيض معجون بالأحمر. مجعد مثنى شتر الفم نحو الأذن حتى نبقت أسنانها. تراجعت.

    - يا ربي.

    - خفت مني يا سلمى. ردَّت الغطاء على الجانب المشوه ببساطة.

    كيف لماذا؟ وقفت مبهوتة أتأمل ملامحها.

    - رمى شاب متعصب ماء الفضة على وجهي. حرقني، رآني سافرة عن وجهي.

    بدا النصف السليم آية بالجمال جعلني مشدوهة.

    تلبست مظهر صاحبة البيت، الترحاب ذاته، الابتسامة العريضة ذاتها. راقبتني المرأة الضيفة وابتسمت.

    - صرت صبية يا سلمى، إيه الأيام. العم يسري كأني أرى أمك تتحرك أمامي. مجدو كبر أيضاً. بعد سنة يقدم البكالورية الأولى قسم الفلسفة. وبعدئذٍ يدخل كلية الحقوق ليصبح محامياً.

    نقزت في مكاني، محامي، أنا أكره كل محام بعد صبري أفندي زوج أختي لأنه يقبض على أسرار النسوة ويدفع بهن إلى أحضانه.

    - مجدو يا سلمى حلو. ليس طائشاً مثل أخيه فائز. لطيف، أخلاقه عالية.

    فهمت التلميح والترميز، قرفصت وانتشلت اسطوانة من الخزانة ندهت، يا حظي، كركت((أم فائز)) ومجت من سيكارة الخانم ذات الفم الأحمر. صدح صوت عبد الوهاب((جفنه علم الغزل))

    غلى الدم في عروقي. تدفق دفء حار إلى أوردتي، فاندفعت أتلوى على النغم الراقص. تلاحقني صفقة باهية خانم المشجعة

    - لك يا حبيبتي، هات بوسة

    انتهت الأغنية. سربلني الخجل ندمت، لم رقصت أمامها؟ لا.. أنا رقصت للأغنية لحلم لم أعرفه، لآمال تركزت حول كلمة عابرة عن الرجل. لملمت أشلائي المبعثرة بين الأرض والغرامافون، وركنت جسدي في كرسي أصغي إلى كلمات الإطراء.

    ذاع خبر ليونة جسدي، ورقتي بين النسوة في الاستقبال، سرعان ما نقلنه إلى الأبناء، فاندلق الخطاب علي، بدأت لعبة فصارت حقيقة، تحتم علي أن أخضع لسماجة بعضهن وأناقة ألفاظهن، راجيات كي أقف أمامهن ولو مرة واحدة. دفعت الثمن فادحاً ضريبة فظيعة تتنافى مع كبريائي. مكثت في البيت، ورفضت الظهور أمام أي كائن كان.

    تدللني أمي بثياب جديدة. جاءت بالخياطة إلى البيت واشترت أقمشة جميلة.

    - ست مادلين، قطبة عند الخصر، وأخرى عند الكتف. افتحي القبة قليلاً. لابأس. الكم فوق الكوع. لا. لا يرضى أبوها.

    تنكب ست مادلين على ماكينة الخياطة دون أن ترفع رأسها إلا عندما تفصل وتقيس. أثناءها ترشف القهوة. حتى إذا اندفع الغداء بأريج الأطعمة الزكية((غسلت يديها متأنقة)) وجلست تمضغ الطعام بصمت. لعلها ملّت هذه المهنة القاسية، لعلها شعرت بوطأة العمل الذي يكسر ظهرها يومياً وهي تنتقل من بيت إلى بيت حاملة((الكاتلوجات)) في محفظة يدها السوداء الكبيرة. تنهال عليها كلمات الإطراء عندما يصبح الثوب جاهزاً. فستان وسترة وتنورة في يوم واحد. تلف المئة ليرة، وتضعها في عبها. تسكن عينيها نظرة امتنان.

    تغادرنا قبل المغرب لتلحق فتطبخ لأولادها.

    أكبر بسرعة. تدلك أمي خدي العاجيين بقليل من الحمرة الجافة.

    - سلمى عندنا ضيوف أسرعي. ارتدي ثوبك البنفسجي. فهمت. هصرت خصري بالزنار الأسود الجلدي اللماع. برز نهداي مذعورين شددت قامتي، ودخلت بصينية القهوة. جلست قريبة من الباب أراقب عيني المرأة الفاحصتين، وأتجاهل غمزة أمي المتكررة تدعوني كي أخرج. لذت لي ملاحظة الضيفة بدت دقيقة القد. قدماها صغيرتان رقيقتان محشورتان بحذاء ذي كعب عالٍ. بانت أشد نحولاً أشبه بمراهقة عندما خلعت معطفها البني. تدلى من عنقها عقد لؤلؤي ثمين وسلسلة عريضة بطرفها ليرة ذهبية. يوحي مظهرها بالبحبوحة.

    ظلت عيناها معلقتين بوجهي وهي تشكو كساد السوق وعدم إقبال الناس على الشراء. ردت أمي:

    - لا تؤاخذيني بهذه الكلمة. التجار هم الكاسبون دوماً في الحرب والسلم. ما صدقنا أننا خرجنا من الحرب الثانية حتى فتحوا علينا أزمات واضرابات جديدة لن يتركونا بسلام. معلوم، أرض فلسطين خصبة، زيتون وبيارات برتقال. بلاد خير وجبل من ذهب في السعودية. الإنكليز دهاة الإنكليز بلوانا.

    هزت الخاطبة رأسها. لم يعجبها الحديث.

    - مفهوم.... مفهوم. ولكن...

    لضمت المرأة الكلمة دون تصريح.

    تساءلت:

    - ترى ما عساها تريد أن تقول. أن تحكي بالسياسة؟ أم تريد أن توهمنا بأنها تدري ما لا ندري حتى لا تطلب أمي ثمن حقي نصف الألف.

    سألت الضيفة بلطف:

    - عملت شراب التوت هذه السنة؟

    - عندي شراب السنة، صنعته بنفسي. تذوقيه ثم احكمي. سلمى شاطرة

    - لا تعذبيها، فحت المرأة

    غادرت الصالة مرغمة، ليس في مقدوري الرفض. إكرام الضيف من شعائر العائلة.

    أرخيت السلم الخشبي من علاقته الحديدية في الجدار وركنته. صعدت إلى السقيفة متلهفة إلى إنهاء المهمة. تناولت قنينة واحدة من الرف وعدت. وضعت قدمي على أول درجة. لم أدر كيف انزلق تحتي، وهويت على الأرض أنا والقنينة. اندفعت المرأتان إثر الخبطة إلى المطبخ، وفجأة فرّت الخاطبة. بقيت أنا مطروحة لا أقوى على التنفس. قال مصور الأشعة الدكتور منذر:

    - رضة قوية في الأضلاع.

    فقدت القدرة على الضحك، والبكاء مدة أسبوعين. أغلقنا الباب ريثما أستعيد صحتي.

    تقفز طموحاتي درجتين، درجتين، أهي فورة المراهقة، أم ثورة الانطلاق من الطفولة إلى الأنوثة الكاملة؟ أسمع تمزق الأغشية في جسدي. أسمع هسيسها في الليل فيما أضع رأسي على الوسادة. تقلقني. تسرق أمني، تجعلني أفكر بالألم الذي بدأ يدب في بدني يجب أن أخبر أمي:

    - ما هذا الوجع؟ أنا مريضة؟

    ترد متضاحكة صارمة:

    - كل البنات يتوجعن في مثل سنك؟ تظل أسئلتي معلقة دون أجوبة يقتلها الحياء. سرعان ما أكتشف أجوبتها بنفسي. يكبر رأسمالي يوماً إثر يوم في عالم نماذجه غنية مذهلة.

    اقتربت الامتحانات ولما تجف دمعة أمي على فراق سامي

    يدخل هشام البيت ملكاً، ليخرج وزيراً. ترف أهداب(عربية) رفات مذعورة إذ تراه. يصرخ:

    - عربية فنجان قهوة.... حضرت الأكل؟

    تقترب منه. تمسح حذاءه الأسود اللماع. يمد قدمه متباهياً أمام إخوته. هي تخشاه ولا تخشاه.

    أمي من جهتها لاهية عنه بعشيرتها، تزداد مشاكلها الصحية تعقيداً تحت وطأة الحزن. تسرح أفكارها خلف ابنها الشمس المهاجرة إلى افريقيا وخلف سامي السجين، وخلف أختي(مها) التي استكانت إلى حياة تعيسة مع صبري أفندي حين قبض عليها عصفورة صغيرة، وعصرها حتى لا ترجو انفلاتاً.

    انتفخ بطن عربية، دفعتها أمي مداعبة من كتفيها

    - سمنانة يا ضربانة. أطبقت البنت شفتيها وانتحبت عند قدميها. رفعت رأسها وقد ازداد نحيبها. ستي ستي، أنا غلطت استروني انتفضت أمي فجأة، جلست، نهضت. لا تصدق. فضيحة جديدة انهالت فوق البيت.- يا رب يا رب. رفعت أمي يديها إلى السماء تستمطرها الرحمة، والستر المقيم على المظلومين الغائبين. أمسكت مسبحتها البيضاء من حبات اللؤلؤ، وراحت تركع وتصلي وتبكي الفضيحة القادمة. عندما حبك الليل أوى كل إلى سريره تسللت أمي...

    حملت القرآن الكريم من محفظته المطرزة بالقصب والترتر، وأدنته بخشوع من وجه أبي المورد بجمر المنقل النحاسي.

    - أبو هشام. احلف بالكتاب الكريم أن تحفظ السر وتجد له مخرجاً.

    صاح بها وقد تولاه الغضب واربد وجهه:

    - هل جننت يا امرأة. أنا أحلف على القرآن، ولِمَ؟

    لم يكن بد من إفلات الحقيقة الرهيبة:

    - عربية عربية حامل.

    انتفض كمن لسعته أفعى. حددّ نظرته يطرد كابوساً مفزعاً. رمق وجه أمي المرتعش مكذباً، انكمشت داخل ثيابها، قام مهتاجاً، ضرب الباب المغلق على الخادمة، رفعها من شعرها كريشة، ثم رماها على الأرض.

    - كلبة. قولي الصدق، واللّه أذبحك إن لم تقولي الصدق.

    - اذبحني، اذبحني يا سيدي، أنت أهون من أخي ومن أهلي.

    - من هو، انبسي.

    نشج صوت مقهور:

    - سيدي هشام

    - هشام، ابني هشام يبول في دلوي. واللّه قتْلك وقتله حلال في هذه الأيام الفضيلة، يا سواد وجهي من حالي ومن أهلك، ماذا أقول لهم تفضلوا ابنتكم حامل، انظري إلي.. حلفت لأبيك بشاربي هذين بأن أرعاك مثل ابنتي، دار على نفسه كثور هاج في طاحون، هرعنا كلنا من أسرتنا...

    فهمنا الكارثة على الفور اقتربت أمنا منه متخاذلة.

    - نحسبه من أولادنا يا رجل.

    - اسكتي أنت، وهي، وهي ماذا نقول للغريب والقريب؟

    سقط الجبار على الديوان خائراً ثائراً، غطى عينيه بكفه، فسالت منه قطرات ناصعة كالندى تشجعت أمي إزاء ضعفه، فاقتربت منه، ومسحت على شعره أسلم رأسه إلى صدرها.

    وقفت على مبعدة يا إلهي، عاد طفلاً، هذا الجبار الذي يهز الأرض تحت قدميه، يعترف بالخيبة، وأمامي.

    هزت الكارثة أركان البيت العريق، جللته بسواد أشد سواداً من اعتقال سامي، رفع الراديو الخشبي الضخم من غرفة الجلوس ومنعت أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب ومنيرة المهدية، وحل شجار يومي بين الوالدين العاشقين هدد بالانفصال.

    هرب هشام إلى بيت عمته منذ اللحظة الأولى.

    انفرجت الغيمة قليلاً عندما عاد الشيخ أحمد بعد أسبوعين تفوح من ثيابه رائحة البخور الفاغمة، وخلفه هشام، أمسك يدي عربية وهشام، وقرأ الجميع الفاتحة، لم توزع الحلوى ولا الملبس ظلت أمي تبكي حظ ابنها البكر وارتدت الأسود.

    أحس هشام بالقيد الملفوف على عنقه، فالتحق طالباً بالكلية الحربية في حمص ومرت الأزمة الخانقة مليئة بالغم واليأس والخجل.

    غير أن القفزة السريعة التي أدتها عربية دون تمهيد دفعتها إلى التمرد الدنيء على تقاليد البيت غير مبالية بالحزن الذي لفه، ولا بنظرات الجيران إلى بطنها المنفوخة. صارت تمشي متباهية كبطة سمينة نفضت جناحيها من الماء. رمت الشغل كله على كتف أمي. ها قد أصبحت زوجة لابن الشريف الكبير. من يقاربها؟

    وقعت أمنا فريسة ضغط الدم.

    زارنا الطبيب زهدي مرات ثم أعياه مرضها. فوصف لها العلق خلف أذنيها عله يخفف من الخطر. ارتمى العلق متورماً بالدم على منشفة بيضاء لفت حول رقبتها.

    لعب القدر في تحرير هشام من قيد حديدي ربطه بعربية. وخرج من الوضع النفسي السيء الخطر خاوي اليدين. ولدت عربية ابناً ميتاً زاد من حزننا في الوقت الذي فرَّج عن قلوبنا ونفوسنا.. فما هي سوى أيام حتى رمى أخي الطلاق عليها الذي عمق في نفسي نفوراً منه مشوباً باحتقار خفي.

    وصلتنا أوراق مهربة من سامي.

    أهلي

    فاض الشوق بي. بت كالزيز يئز ويدور حول نفسه، ثم يضرب رأسه بالجدار. جافاني النوم. أغزل أفكاري حول نفسي والمساجين. نسيت حالي ونسيت عائلتي. اقتحمت المهجع أرطب خاطرهم. قرأت لهم سوراً من جزء عمَّ وسورة ياسين والفاتحة. رددوها معي. ظلت عيونهم الخائفة متشبثة بالسماء تستجدي الرحمة. ولكن عبئاً فقد أحكمت الأنشوطة حول أعناقهم، أعناقنا، هل أصدق أذني، أأنا واهم، أم مجنون، سمعت أصواتكم تحت نافذة الزنزانة. قفزت أحاول رؤيتكم، لم أفلح فرحت أبكي. ضربت رأسي بالحائط. رآني السنغالي. دخل. أمسك قدمي ورفعني إلى النافذة، إلى الطاقة المعلقة في السماء. صرخت:

    - ماما، بابا، خالتي، سمعت صوت خالتي يلعلع كالرصاص يقطعه نشيح أمي الباكية:

    - لن أعود قبل أن أراه.

    هل أنا واهم، اختلطت الآهات بالكلمات، ولكني متأكد من وجه شيخ أسود الشعر ملتح يتكلم الإنكليزي تذكرت سحنته. كانت لرجل لمحته في مكتب التطوع تملأ الخواتم الزمردية والياقوت أصابعه العشرة. وقفت أترنح كالسكران ناداني صفير خافت من الزنزانة المقابلة من خلال القضبان، رأيت الوجوه السوداء تلمع بدموع مغلوبة مقهورة ذليلة. تعانق أيديهم المستحيل. فهمت المصير القاتم الذي يفتح شدقيه لالتهامهم ربما التهامي غداً أو بعد غد.

    مضت ساعة دقت أقدام عسكرية رتيبة قاسية على أرضية الزنزانة، وانتصبت قامات عملاقة مروعة في الضوء الباهت.

    مشى الضعفاء طائعين أمامهم. أكتافهم متهدلة، رؤوسهم المجعدة منكسة كرايات مهزومة. كانوا الوقود العبرة الذي لملم من كل كتيبة ثأراً للضابط الإنكليزي.

    لم يمض وقت كبير حتى دوت ثلاث عشرة طلقة. نظرت إلى ثيابهم المكومة في الزوايا وعلى الأرض. اقشعر بدني. انكمشت هلعاً هالني صوت الرصاص صرت أدور على نفسي كالمهووس أبكي مصيرهم. بل مصيري من يدري، أجل، ممكن، قد ألحق بهم غداً أو بعد غد.

    فجأة دفع الباب عليّ بشدة. هبط قلبي.. وقف حارس أبيض فوق رأسي آمراً:

    - خذ أغراضك، هيا هيا بسرعة.

    وجدتني في محطة القطار التي شهدت حريتي أول مرة وأنا أغادر مصر إلى سوريا. كان الطريق إلى الحرية قصيراً جداً. أعادوني إلى الإسماعيلية ثم إلى قطعتي. ومنها إلى السجن قيد المحاكمة. جرجرة مهينة. عينت المحكمة الكابتن جورج محامياً للدفاع عني.

    أحبكم جميعاً. أقبل أيدي ماما وبابا.... سامحوني

    ما إن أنهى أبي تلاوة الرسالة التي وصلت متأخرة حتى جاءتنا البشارة سريعاً بأن سامي أصبح في سجن القلعة بدمشق. وقع أبي على محضر طويل في مخفر الشرطة ربطت به حيثيات الحكم، وأعاد سامي إلى البيت.

    وقف سامي كالقطة المبلولة قرب الباب. حليق الشعر نحيل الجسم في ملابس عسكرية فضفاضة تخب قدماه في بسطار كبير. درنا حوله تلمسناه بأيدينا. وشممناه من رقبته وكتفيه البارزتين. تنحنح بدا خجلاً من ملابسه الوسخة. وربما من رائحة العرق. استند إلى الجدار ورمى الحقيبة عن ظهره ما إن أدار نظره فينا حتى دبت الحرارة في جسمه المنهك نفض عنه لحظة الذهول، وارتمى على صدر أمي يبكي بحرقة مثل طفل، جعل يبكي وينشج.

    ضمته أمي بحرارة تمسح دموعه. ويمسح دموعها

    حسم عادل الموقف العاطفي باحترام حقيقي لمشاعر أخيه.

    - صار رجلاً، كفى دلالاً يا أمي.

    تبادر إلى ذهن أمنا الطعام. يجب أن يأكل ويستعيد عافيته. انسحبت مرغمة وبقينا مسمرين إلى فمه ننتهز فرصة غياب الوالدة في المطبخ فقد ذابت كشمعة في الآونة الأخيرة.

    - أي سامي نبر أبي بنفاد صبر فرحاً بعودة ابنه. اتكأ على مسند فوق الديوان المفروش بسجادة شرقية.

    - رائحتي قاتلة. أغسل بدني وأعود إليكم. أجاب:

    صرخنا بصوت واحد: لا، لا...

    تدفق صوت سامي واهناً:

    ((عندما صدر علي الحكم بالسجن المخفف نظراً لصغر سني رحت أحفر الأيام بأظافري على الجدار إذا ما انسحب الليل وهاجمه الصباح. وصلتني دراهم أبي عن طريق ابن العشا متعهد الطرق لدى الإنكليز. فطلبت مذياعاً صغيراً تقاسمت سماعه مع الحارس الكونغولي. ازداد الضغط على السجناء المساكين. سمعت بأذني أصوات التعذيب الخارقة لكل معاني الرحمة.

    عرفت ومن معي بما لا يدركه الشك بأن الجيش الإنكليزي في تدهور وتراجع. لازمني سوء الحظ في الفترة العصيبة لاندحارهم وتقهقر الجيش الثامن حتى أبواب الإسكندرية. بل قيل ذلك حتى((مرسي مطروح)).

    تهب الأخبار مثل زوبعة مداً وجزراً، تقلباً وهدوءاً، حيال أي تقدم أو تقهقر، في هذه الأثناء تغيرت القيادة الإنكليزية، قبض عليها الرجل الحديدي((مونتغمري)) رص الصفوف، أعاد تنظيم الجيش الثامن، نفخ فيه روحاً عسكرية حديثة، دعمتها الإمدادات الأمريكية عبر البحر.

    هكذا استسلمت إيطاليا، وانسحب الحليف الألماني الجنرال رومل إلى الصحراء وتبدلت القيادة الألمانية أيضاً، أدى الاختلاف بين القيادتين المتدربتين مع فن الحرب في الصحراء إلى هزيمة نكراء ساعدت الحلفاء على تطويق الجيش الألماني.

    - يا حرام على مصر، يا حرام على مصر يا حرام عليك يا مصر أم الدنيا. ردد سامي وضرب جبينه بكفه.وقفت الدنيا على رأسها. عمت المجاعة مصر كلها وتسلطت الأوبئة على الشعب المسكين البسيط، فمن نجا من الكوليرا سقط فريسة مرض الزهري
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    بنات حارتنا ج3
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتديات طحله :: الفنون الجميله........مش هتقدر تغمض عنيك :: منتدي الفن الجميل-
    انتقل الى: