منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
عزيزي زائر منتديات طحله انت الان غير مسجل ممكن ان تطلب الدخول ان كنت مسجلا او التسجيل ان كنت غير مسجل او الاخفاء اذا كنت لاتريد ذلك نشكرك علي دخولك لمنتدي طحله
منتديات طحله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بلد العلم والعلماء .. بتقلي يا () ليه راسك مرفوعه وعنيك قويه اقلك شكرا دا طبع الطحلاوية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسم الله الرحمن الرحيم السادة الافاضل اعضاء وزوار ومشرفي ومديري منتديات طحله السلام عليكم ورحمه الله وبركاته نوجه عناية سيادتكم انه بدء من الان سيتم الارقاء بمنتديات طحله وتفعيلها بالشكل الذي يتناسب مع بلد العلم والعلماء بقرية طحله ونتمني من الجميع المساهمه معنا في هذا الشأن نشكركم ونتمني مزيدا من التقدم والرقي
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
مواضيع مماثلة

    .: عدد زوار المنتدى :.

    الساعه الآن بالقاهرة
    المواضيع الأخيرة
    » استراتيجيات التعلم النشط وتطبيقاته
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد أبريل 21, 2019 7:11 pm من طرف slimsskhab

    » حل نهائي ومجاني للقدم السكرية
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد أبريل 14, 2019 11:47 pm من طرف slimsskhab

    » مجموعة الشعر فوريفر .. كافة المنتجات
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالخميس أبريل 11, 2019 12:59 am من طرف slimsskhab

    » افضل موقع عربي لمشاهدة و تحميل الافلام و المسلسلات و البرامج
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد مارس 24, 2019 3:40 pm من طرف slimsskhab

    » شاشات ليد داخلية وخارجية توريد | تركيب | صيانة بافضل سعر في مصر
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالسبت مارس 23, 2019 1:15 am من طرف slimsskhab

    » دورات للأطباء والاختصاصيين العرب
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالخميس مارس 21, 2019 6:52 pm من طرف slimsskhab

    » الدكتوراه والماجستير البحثية في الهند
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأربعاء مارس 20, 2019 2:35 pm من طرف slimsskhab

    » بيع ادوات ومنتجات لعبة هاي داي hay day
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالإثنين مارس 18, 2019 3:41 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع أحلامي لايف
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالسبت مارس 16, 2019 8:11 pm من طرف slimsskhab

    » سارع بالحصول على اكثر من 500دولار شهريا من ميرش باي امازون
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد مارس 10, 2019 2:49 pm من طرف slimsskhab

    » الجهاز الرائع المهدئ و المُريح لمفصل الركبة (إنه حقا يعمل) أطلبه الان
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأربعاء مارس 06, 2019 7:25 pm من طرف slimsskhab

    » لايكات علي اليوتيوب 100 لايك مقابل 5 دولار
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد مارس 03, 2019 4:00 pm من طرف slimsskhab

    » مكتب دراسة جدوى بالكويت
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالجمعة فبراير 22, 2019 9:55 pm من طرف slimsskhab

    » تعرف على موقع الفوائد ,,
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد فبراير 17, 2019 3:01 am من طرف slimsskhab

    » اشهار منطقة القليوبيه للكرة الخماسيه البنتابول
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد يناير 27, 2019 2:32 pm من طرف admin

    » النسخه الريباك من لعبة البيسبول الشيقه Major League BaseBall 2k12
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 09, 2015 6:04 am من طرف وفاء محمد

    » القارىء مشاري العفاسي ~ الرقية الشرعية كاملة [ رائعه ]
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد أبريل 12, 2015 10:32 pm من طرف نور الهدي

    » فك الربط بمن اصيب بسحر الربط ...
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأربعاء فبراير 04, 2015 6:47 pm من طرف admin

    » اختطاف المرشح احمد النادى
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالأحد سبتمبر 28, 2014 3:27 pm من طرف وفاء محمد

    » اهلا احمد مسي
    بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالسبت سبتمبر 20, 2014 12:14 am من طرف admin

    اعلانات مهمه
    للدخول إلى الصفحه الخاصه بالفيديو واللقاءات مع مرشحى
    مجلس الشعب 2010 عن دائرة بنها
    فقط اضغط


    هنــــــا
    أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
    admin
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    محمد كمال
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    3g
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    تصويت
    هل من رايك منتدي قرية طحلة يحتاج الي؟
    الكثير من التطوير
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcap100%بنات حارتنا     ج5 Vote_lcap
     100% [ 4 ]
    القليل من التطوير
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج5 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا يحتاج الي التطوير
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج5 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    لا اعلم
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcap0%بنات حارتنا     ج5 Vote_lcap
     0% [ 0 ]
    مجموع عدد الأصوات : 4
    مكتبة الصور
    بنات حارتنا     ج5 Empty
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 73 بتاريخ الثلاثاء مارس 05, 2024 5:38 pm
    منتديات طحله
     .منتديات طحلة تشكر الاعضاء والزوار علي ثقتهم الغاليه في منتداها
    أفضل 10 فاتحي مواضيع
    admin
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    hoba
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    جيسي سالم
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    د/امين عادل امين
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ميدو مانشيستر
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ahmed_magdy
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    ميشووو
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    اسلام شحاته
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    دموع لا تختفي
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    محمود عفيفى a
    بنات حارتنا     ج5 Vote_rcapبنات حارتنا     ج5 Voting_barبنات حارتنا     ج5 Vote_lcap 
    اضغط وتعرف علي الساعه فى مدن العالم المختلفه
    Place holder for NS4 only

     

     بنات حارتنا ج5

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    د/امين عادل امين
    مشرف اقسام
    مشرف اقسام
    د/امين عادل امين


    البلد : مصر
    الجنس : ذكر
    الابراج : الحمل
    العمر : 36
    العمل : دكتوراه في القانون
    تاريخ التسجيل : 03/09/2009

    بنات حارتنا     ج5 Empty
    مُساهمةموضوع: بنات حارتنا ج5   بنات حارتنا     ج5 Icon_minitimeالجمعة مارس 05, 2010 10:33 pm

    تغيرت الأحوال السياسية بعد الانقلاب الأخير، صدر عفو عن أحمد. بحث مجدداً عن صحيفة أخرى تتبنى أفكاره. عاد فشدد من لهجته ضد الدكتاتورية التي خلقتها الانقلابات منذ أن بدأها بطلها((حسني الزعيم)) وما جرته على البلد من ويلات وتمزيق نفسي وخلقي أدى إلى عدم الاستقرار وفقدان الثقة بين الأخ وأخيه. نسي الرسم واللوحات والمعارض وما عاد يعبأ بانزلاق فنان تشكيلي نحو الإفلاس.

    تناوب أحمد حسب سياسة الصحيفة على كتابة الافتتاحية مع كاتب يميني اتضح أنه داعية حزب الشعب، يتعارضان ثم يلتقيان في مطالب أهمها:

    حرية التعبير، تعدد الأحزاب، نظام ديمقراطي سليم.

    لفتت لهجة المقالات النقدية اهتمام الناس فأقبلوا على شراء الصحيفة. هكذا رجع أحمد بعد لأي مرير إلى تثبيت أقدامه في عالم الصحافة.

    تدخل عادل الرجل الثاني في البيت في مسيرة حياتي. أقنع أبوي بنقلي إلى الثانوية الأدبية حيث عين أستاذاً للرياضيات فيها. تحظى المدرسة بسمعة جيدة ومستوى رفيع باللغة الإنكليزية.

    كان في نيته أن يبعدني عن أحلامي التي شم رائحتها عشية سمعني أكلم أحمد بالهاتف. لم يجابهني. ولم يسألني. تركني مع مواجهة نفسية ومحاسبة مميتة بدت أقسى من السوط على جلدي والقهر في ضميري. وفي حالٍ من التأهب المضني لسؤال أو جواب قد يأتي.

    لم يسعني الرفض. برزت أمام نقلي إلى مدرسة أخرى مشاكل عدة:

    - قالت أمي: المدرسة بعيدة عن المهاجرين والأقساط غالية، تشكل عبئاً جديداً على العائلة.

    ذلل عادل العثرات جميعاً:

    - أنا المسؤول:

    تغير نمط حياتي. فمن جو متزمت خانق إلى تباسط ومناقشة وحرية في التعبير وصدام في الآراء حول التاريخ والحكم ونظام الحكم.

    صرت أستيقظ مبكرة قبل موعدي السابق بساعة. يرافقني أخي، نركب الترام ونهبط في بوابة الصالحية، ثم نمشي في الحي الضيق المضموم على دخانه وروائح الطعام الزكية وهذا ما أغضب والدتي. وبعد أيام تراخى الحبل الذي لف حول عنقي حين ملّ أخي مرافقتي وحررني من رقابة عاتية.

    أخذت بالجو الجديد. طال دربنا أم قصر أنا وأحمد، بتنا نلتقي يومياً. تترافق خطواتنا مشياً متوازناً. هو على رصيف، وأنا على رصيف نضحك على منظرنا. ثم نجده جميلاً في ظروف بلدنا.

    فاجأتني أنظمة المدرسة غير العادية برسالة فكرية تبشيرية حزبية حول مشروع((سوريا الكبرى)) تطرح منطلقاتها في الصفوف مع الأساتذة والتلميذات وتتداول البنات صحيفة يومية تحمل شعارات الحزب السوري.

    في الباحة لمحتني معلمة اللغة العربية الآتية من الجامعة الأمريكية في بيروت.

    - سلمى، أملنا كبير في نشاطك وحيويتك. أتوسم فيك مستقبلاً مشرقاً. سرني إطراء الأستاذة هيفاء. حسبت كلامها مسايرة بوصفي أخت عادل الشريف الذي ذاعت موهبته بالرياضيات.

    سارت الأمور بعد لأي سيراً طبيعياً. توثقت صلتي بها. وصلتها بي. كانت المدرسة قصراً بديعاً أثرياً ذا طابع شامي. هندسة معمارية مدروسة، واسعة فسيحة بساحة كبيرة مشجرة بالكباد والنارنج والليمون تشقها سلالم حجرية ملونة ضيقة تؤدي إلى متاهات الغرف الكثيرة في الطابق الثاني والثالث المشرعة للشمس.

    في درس التاريخ وجه الأستاذ ميشيل حديثه بنحو غير متوقع، قال في جملة ما قال:

    - ليست المرأة شفة تتلمظ، ولا جسداً يتلوى. هي من تكون كالملكة سمير أميس.

    - الملكة سمير أميس؟ سألت مهتاجة:

    - أجل، سمير أميس ملكة حكى عنها التاريخ الملكة الأسطورية لبلاد آشور وبابل. تنسب التقاليد إليها تأسيس مدينة بابل وحدائقها المعلقة تمجيداً لشجاعة زوجها الملك نينوس.

    - يا اللّه. تنهدت.

    أضاف وكأنه يلقي درساً في التاريخ

    في عام 1748 كتب عنها((فولتير)) مسرحية تراجيدية، وقبله عالج الموضوع ذاته كريبّيون.

    تدخلت ابنة المدير زميلة الصف:

    - أستاذ، لا تنسى أوبرا روسيني التي وضع موسيقاها بافتتاحية رائعة عام/ 1825 .

    علق مبتسماً راضياً:

    - ابتعدنا عن الدرس.

    - ماذا يعني.

    - تساءلت دهشة.

    قبل الانصراف. نادتني المعلمة((هيفاء))

    - سلمى، أنت مدعوة إلى الشاي في بيت المدير هنا في المدرسة، انتظريني في الباحة.

    تلكأت مترددة... ولكن..

    - لن تتأخري. ستتعرفين على زميلات من كافة الصفوف.

    دفعني الفضول إلى قبول الدعوة.

    رأيت وجوهاً مألوفة. جلست المعلمة هيفاء قرب النافذة في زاوية مهملة تراقب مدى انسجامنا مع ما نسمع تتلاعبني أفكار شتى تحملني إلى صباح عطلة فيه رن الجرس في بيتنا. فتحت الباب. وقفت قامة فارعة بوجه متطاول أسمر وعيني واسعتين كحيلتين. خلفها بانت فتاة قصيرة بدينة، ابتسمتا في وجهي. نبرت الطويلة متعجلة.

    - جئنا من قبل أحمد. أنا نائلة أدرس في كلية الحقوق. ورفيقتي أسماء من اللاذقية. تدرس العلوم.

    تنحيت مرحبة ومتعجبة. كانتا أكبر سناً مني بنحو خمس سنوات على الأقل.

    ظلت البنتان واقفتين على أقدامهما

    - لن نأخذ من وقتك. ندعوك إلى أمسية شعرية ثم حوار بمناسبة عيد المرأة العالمي، في 8 آذار. تشارك في الأمسية الشاعرتان: أم جمانة وعزيزة، حول حقوق المرأة، ثم حديث لمناقشة مشروع إيزنهاور، وسوريا الكبرى والهلال الخصيب سنحتفل بعيد المرأة العالمي احتفالاً شعبياً في نادي العائلات بالقصاع. وهذه دعوة لك.

    أخرجت إحداهما من حقيبتها بطاقة بيضاء مطبوعة. على غلافها اسمي.

    تكررت الدعوات. أحببتها. صارت نافذة واسعة، وكتاباً أعيش بين سطوره على أرض الواقع. يمتد بيت المحامية الشاعرة أم جمانة طولاً بدهليز يدفع الغرف إلى جانب واحد.

    في أول زيارة. رأيت بضع بنات في مثل سني جلسن متلحفات بالخفر. زينت الجدران لوحات أصلية لفنانين عرفتهم. ولوحة صغيرة بتوقيع أحمد. في زاوية قبع بيانو أسود لماع. انسدلت على النوافذ ستائر مخملية خضراء تلائم الأرائك القليلة المتناثرة بأسلوب أوروبي. وكثير من الكراسي الخيزران.

    امتلأت الكراسي بعد نصف ساعة. ثم دخلت صاحبة البيت. استغربت شكلها. امرأة بدينة قصيرة جداً سمراء غامقة. شعر أجعد قصير ملموم فوق نافوخها، تترنح في مشيتها. رحبت بنا بوجه بشوش أزال الغم عن نفسي.

    ألقت نكات ظريفة كسرت جو الصمت وبدأت تحكي عن وضع المرأة المتردي في البلد. يا إلهي. هكذا تعيش المرأة ولا نعرف عنها شيئاً. باسم الشرف تقتل، وباسم العائلة تموت، وباسم الأولاد تحرم. وباسم... انقلبت المحامية في نظري إلى أنثى جميلة رشيقة ساحرة، استطاعت أن تغرد هموم المرأة على بساطٍ صريح دون الاتكاء على أحد. كسبتنا منذ الجولة الأولى. خرجنا من عندها مفعمات بأهمية دور المرأة المتعلمة في توعية المجتمع الأمي المشلول الذي تمثله معظم النساء.

    في ذهني أخذت تدور كلمات قالتها:

    - الحرية، والعلم... العلم يأتي بالحرية. إذا لم تتعلم الواحدة منا فلن تخرج من قوقعتها إلى الهواء الطلق. من خلال الحماس طرحت أسئلة ذات طابع أنثوي صميمي تجاوز بعضها الهموم الصغيرة إلى هموم أشمل. نقطة سوداء تم التوقف عندها: هدايا النقطة الرابعة التي وزعت على المدارس، وفي علبها السم المدسوس لأجيالنا.

    هالتني الكلمات الكبيرة الجريئة. في زمن الغليان.

    انتشلني أستاذ التاريخ من سهومي مبتسماً:

    - سلمى مشغولة عنا. ليست معنا إطلاقاً. سمعت أنك تكتبين شعراً.

    تبسمت:

    - مجرد محاولة، أستاذ..

    - أحب هذه المحاولات، أطلعيني عليها، ربما أنشرها في صحيفتنا. سأعرفك على شاعر رقيق قوي المشاعر لعلك سمعت باسمه((خازن نمر))

    - قرأته. أحب شفافيته، ليتني أتعرف عليه. صوره مثل لوحة بالألوان المائية.

    تساءلت في قرارتي: -لم قال صحيفتنا... من هو؟ ماذا يعمل؟ ما خلفيته؟ من وراءه؟

    انكمشت مرتبكة. هأنذي أدخل في لعبة أخرى... أنزلق في خطين متعارضين يجب أن أحذر خطواتي. جئت إلى هذه المدرسة كي أرمم لغتي الأجنبية لا أكثر.

    مرت الأيام مليئة بالجدية والمثابرة.

    نلت حظوة حسدتني عليها الكثيرات. كانت حلم كل فتاة منظمة حزبياً، هي رؤية زعيمة الحزب السوري.

    كنت خالية الذهن ساذجة لا أعي أهمية وقيمة تلك المقابلة.

    عندما دخلت بيتها المتواضع في عين الكرش، تقدمت نحو سيدة شاحبة جميلة المحيا، رشيقة القوام نحيلة الجسد غارقة بالسواد رفعت يدها بالتحية.

    انبرت الأستاذة هيفاء متعجلة تقدمني:

    - سلمى شاعرة الصف.

    رأيت السيدة الحزينة في لوحة كبيرة على الجدار. تعلقت على خدها دمعة.

    - أهلاً بشاعرتنا الصغيرة، يسعدني أن أراك. قالت كلماتها فصيحة واضحة، لم نلبث في بيتها سوى دقائق. انتهت الزيارة عندما دخلت بنتان صغيرتان. حيتا برفع يديهما.

    انتظرت((هيفاء)) في الردهة خرجت مستبشرة:

    - حظك كبير يا سلمى. تركت انطباعاً حلواً في نفسها.

    - الفضل لك. أجبت مجاملة بحياء.

    خفت من الانجرار والتمزق خلف دعوات ولقاءات أخرى لا أقوى على الاستمرار فيها، تراجعت. تحاشيت الكلام مع((هيفاء)) خارج الصف عن الزيارة غير العادية. تشاغلت بالمذاكرة. تخبأت خلف مناقشة الأوضاع في بلدنا حتى يئست مني. من ترويض المهرة الجامحة التي لا تعترف بقيد مذ خلعت الرسن من عنقها ومهما كان الثمن. في الواقع، ما كنت بقادرة على الانصياع تحت أوامر والتمزق الفكري بين اليمين واليسار. ثم أقف متفرجة مذبذبة منافقة.

    تجاوزت((هيفاء)) عن دلعي كما وصفته، فصلت بين القناعة والاقتناع، ثم حسمت الأمر بذكاء وتفهم كبيرين لوضع قربني من صداقتها وأبعدني عن كثير من المشاكل مع الإدارة والمدير الذي اكتشفت أنه كان غارقاً بحبها.

    ركبني الشيطان مرة، اقتربت من غرفتها المعلقة في متاهة السلالم من الطابق الأخير في المدرسة... أحزنني ما رأيت، تقشف بادٍ لأبسط قواعد الراحة، مثل غرفة عسكري يؤدي الخدمة الإلزامية بسرير حديدي، وطاولة جرداء قذرة عليها طابعة باللغتين العربية والإنكليزية وتحت أرجل الطاولة علبة معدنية امتلأت بورق الكربون الأسود والأزرق.

    تربعت على الجدار صورة قديمة للمعلمة مقصوصة من صحيفة عربية لبنانية مع فريق من شباب الجامعة أثناء التخرج.

    - كم هي جميلة هذه الشابة الجامعية، تأملتها بإعجاب. على قصاصة أخرى كلمات: الحكم بالإعدام على قتلة الزعيم اللبناني رياض، وقعت على سر دفين، قبضت على حياة امرآة تتسلل الروح من بدنها لحظة، لحظة، حزنت حزناً أليماً على هذه الهاربة من بهجة الشباب إلى عزلة قاتلة مقرفة بين أربعة جدران لا تتعدى ستة أمتار مربعة ولا تصلح إلا زنزانة لأعتى المجرمين، أو زريبة للدجاج.

    هيفاء هاربة من وجه العدالة قاتلة. تملكني ذهول. انسحبت ببطء ألملم خطواتي المسروقة على صرير السلم الخشبي الفضاح، وأنا أهمهم.

    - ماذا تخبئ الأيام؟

    تسللت إلى الباحة، اختلطت مع البنات، ربتت هيفاء على كتفي وسألت:

    - سلمى، ما أخبار أحمد؟

    نقزتُ في مكاني، حسبتني أخفيت عواطفي، ووسدتها بئراً عميقة، ها هي واضحة كعين الشمس.

    ضحكتْ من ارتباكي:

    - هل قرأت عمر أبو ريشه؟


    قفي لا تخجلي مني



    فما أشقاك أشقاني


    كلانا مر بالنعمى



    مرور المتعب الواني



    أضافت: عسى أن يكون صادقاً معك؟

    - من؟

    - أحمد، رأيتكما معاً أكثر من مرة.

    ما من مجال للمراوغة، هاجمت بلا تحسب:

    - أحلم أن أكون جديرة به، هو الكاتب والفنان الذي يملأ اسمه دمشق.

    غادرتني باسمة.

    ندهت على ملكة جمال المدرسة. تقدمت قامة سامقة بشعر أسود منسدل بنعومة الحرير، وجه يقطر لطفاً وجاذبية فهمت الآن لم ترك ميشيل أستاذ التاريخ ابنة عمه وعلقها جوىً وهياماً.

    مرّ بجانبي سعد أستاذ العلوم، رفع يده محيياً.

    - سلمى، لم نعد نسمع أخبارك؟

    هززت رأسي.

    - اقترب الفحص أستاذ، يجب أن أنجح حتى لا أسود وجه أخي.

    - ألم تخبرك الآنسة هيفاء؟

    اختارتك المدرسة للمسرحية الجديدة.

    أجبت:

    - حفلة مسرحية يعني تدريبات ودوام إضافي، لا، لا أستاذ، وجع رأس أنا في غنى عن المشاكل.

    - وجع جميل.

    تركني... راودتني أحلام عن خشبة المسرح، التصفيق، أحمد. تجسد المسرح في خيالي لعبة حلوة عانقتها أعادني في أفكاري صوت الآنسة هيفاء.

    - سلمى، وصلت صور مسرحية زنوبيا من بيروت قدمتها طالبات وطلاب الجامعة الأمريكية، ولقيت نجاحاً باهراً، مرّي علي حتى أطلعك عليها. أنا موجودة في الإدارة أرجو أن تتحقق المسرحية بشكل جيد في دمشق أيضاً: ضمت يديها إلى بعضهما وكأنها تصلي.

    - ولكن..

    - لا اعتراض، أراك مسحوقة الإرادة، خاملة، ما هذا؟.

    - أعني أن المسرحية بحاجة إلى ملابس، وديكور، وإكسسوارات، فمن أين نأتي بها، ونحن نسمع بأن المدرسة تشكو من عجز في ميزانيتها ووزارة المعارف لا تساعد، والأقساط المورد الوحيد.

    - هذه أمور محلولة، نستعير الملابس من الفرقة السورية أما المكياج ومعلمي الرقص والإلقاء، فهناك متطوعون.

    - والأهل؟.

    - هذه مهمتك، تصرفي.

    ما كدت أضع رأسي على المخدة حتى برزت في وجهي مشاكل جديدة.

    منها الظهور على الخشبة أمام جمهور من الناس لا يزال يزدري الممثل ويدعوه بالمشخصاتي، لم لا أنتقي درباً معبداً مثل بقية البنات؟ هند مثلاً التي علمتنا التانجو والرومبا والسامبا.

    - أين تعلمت الرقص يا هند؟.

    - في نادي الضباط مع أبي، أبي ضابط طيار، ألا تعرفين؟.

    -أبوك من علمك الرقص؟..

    تتعجب، إذن لم لا يرقص أبي معي أيضاً؟ تخيلت سليل قضاة دمشق يرقص، ضحكت من أفكاري المجنونة، ألا يكفي ماحل بجارنا أستاذ الموسيقى الذي درس الكمان في أرقى معهد للموسيقى في باريز، وعاد بفكر متحرر ليعلم التلاميذ أصول قراءة النوتات وعندما علم ابنته العزف ورقصة التانجو وكذا أبناءه وصحبها إلى النادي الموسيقي في الشهداء ماذا كانت النتيجة؟

    ازور عنه الجميع، وأنكره المثقف والجاهل: لا حقته أقوالهم:

    - جاء المزيكاتي، وذهب المزيكاتي، عمل من ابنته فرجة.

    يارب.. كيف أتصرف دون أن أدخل تجربة ممضة لا تقلب البيت على رأسي من أساسه.

    ركبت تمثيلية بيت حول تمثيلية المدرسة. يفهم أهلي العلم، المدرسة. أما المسرح، وتجسيد أفكار المؤلف والمخرج على منصة فهذا غير مرغوب فيه بتاتاً.

    ألبست مشاركتي ثوب الأمر الإداري. ولم أتطرق مطلقاً إلى أدوار الرقص مع زميلتي أميرة بدور فارس الأحلام المحبوب. ولا بدور راقصة المعبد.

    وكما خمنت وتوقعت، في البداية ثورة عنيفة ذات طابع قطعي. ابنة الشريف في آخر الزمن ممثلة، من بعد بدأت الأرض الصخرية تستجيب لضرباتي اليومية المتواصلة حتى تراخت اللا.

    بدت تدريباتنا عشوائية وحركاتنا لا رابط بينها، نبكي حيث يجب أن نضحك، ونضحك حيث يجب أن نبكي. نعتمد على ماينغل في رأسنا الجاهل عن فن التمثيل دون وجود مخرج مختص. قمنا بتجسيد الأدوار كما فهمناها نحن الصغيرات نبدل من رأسنا ونغير من رأسنا. كان دوري ( رئيس الكهنة) في مملكة زنوبيا. رجل داهية منافق، جاسوس يعمل لحساب الرومان.

    وعندما ارتديت الثوب الأسود الطويل الكاهن شاب دخل الكهنوت حديثاً ضحكت الآنسة هيفاء من شكلي: وشعرك؟ سألت.

    تلمستُ جدائلي الكستنائية الطويلة.

    - أقصه آنسة.

    بدوت سعيدة مندفعة رغم يقيني بأن الحزن رفيق مخلص لي. قررت أن أدخل التجربة بعيداً عن الكتب الجادة التي يدفعني أحمد إلى قراءتها. تعبت من اللحاق به ومازال يسبقني بمراحل قد لا أعرفها أبداً، وقد لا أقبض على الزمن والحقيقة من كتب التاريخ المزور.

    كان المسرح شيئاً خارقاً للعادة، لا يستوعبه وصفي، مزيجاً من فلسفة الوجود، الفن، والتاريخ، تواصل جماعي.. وإلى ذلك متعة نفسية، وتجاوز.

    تساءلت:

    - هل تجاوزت المحرمات بقبولي هذا الدور. ولكن ماعساي أن أفعل وأنا التي تتفجر الأسئلة في رأسي حول الكون والكائنات والناس والوطن، والوطنية هل أنا مجنونة أمشي على رأسي غير آبهة بالعائلة، وبالتقاليد والمحرمات؟ ترقرقت الدموع في عيني.

    حضرني شوقي وغلبني يأسي من أحمد... أنا لا أشعر بالأمان إلا ورأسي على كتفه. أرمم بقايا المخزون في شراييني حتى لا يشمت أحد بالألم الذي يملؤني، وماذا بعد؟

    لابد من لا. حددت وقتها رغبة في ترتيب ماتبعثر من ذهني في الدروب المتشعبة التي أثقلها التفكير بالنجاح والفشل ولقاء أحمد المذعور المخطوف من فم الغول. تناسيت شرور العالم ومؤامراته علينا.. حتى أثقلني التعب. ثلاثون يوماً من التدريب اليومي.

    ثم توفيت المسرحية في أواخر نيسان كوداع لصف البكالوريا.

    لم يخف تزيين وجهي باللمسات الرجالية ملاحمي. لحية صغيرة مدببة وشعيرات موزعة على جانبي وجهي. شعر قصير ملموم تحت قلنسوة كبيرة هبطت فوق جبيني، وثوب فضفاض ضم خصري بحبل مبروم مثل زاهد.

    أثار ظهوري بتلك الهيئة ابتسامة عريضة لاحظتها على وجه أحمد الذي كنت قد دعوته. لم أفسر معناها، ولكنها أثارت غيظي. هاهو يضحك مني.

    اندمجت بدوري غير مبالية، أديت الدور بكبرياء مغايرة لما أراده المؤلف.

    انسحبت أخيراً متراجعة إلى الداخل كي أغير هندام الروح وأستعيد رغبة الحياة.

    تحررت من اللباس الكهنوتي. انقلبت من فوري إلى دور آخر في المسرحية غدوت فارساً مرغوباً من الفتيات الجميلات يختار قلبه واحدة هي (الملكة زنوبيا).

    عندما أسدل الستار وقفت لحظة صامتة وحدي وسط ديكورات ملونة أشيع وقتاً امتلأ بالحياة والنشاط.

    بكيت في ليلة لا تنسى. أهو انغمار، انغماس، تواجد، هلع، اضطراب.. مجموعة انفعالات إنسانية أيقنت أنها لن تعود أبداً..؟

    ركضتُ إلى الأستاذ سعيد كي يمسح عن وجهي بقايا المكياج لألحق بأخوي عادل وسامي قرب الباب الخارجي.

    حملت الآنسة هيفاء صحيفة النصر مزهوة سعيدة، كأنها طردت حزن العالم من قلبها المسكون بالألم.

    - سلمى.. سلمى. انظري هذه الكلمات في المربع الأسود. نجحنا. اقتربت من أذني همست. أحمد كتب بضعة أسطر أيضاً.

    - صحيح؟.. طرت من الفرح.

    عززت مكانتي معه وفقدتها مع العائلة. ثارت علي ابنة عم لي بنميمة من مجهولين. كانت قد اتخذت من بيت جدي مقراً لدعوة سلفية نصف أمية بعيداً عن جوهر فقهي حقيقي. غيرت في لون أسقفه الدار الخشبية الثمينة المحفورة والملونة. والمنقوشة بالأزاهير، والمرشوشات بماء الذهب والفضة. جعلتها مطلية بالكلس الأبيض. قلبت قاعاته التي شهدت أفراح وأتراح العائلة على مدى مئات السنين وأحالتها إلى كتاتيب شيخية بدائية.

    زارتنا هذه المبشرة الملفوفة بملاءة سوداء مزمومة عند الخصر يقطر السم من ذقنها، ويلهب العينين الخضراوين.

    ركضت أمي إلى المطبخ مبتهجة بالضيفة الكريمة. تود أن تضيف صنفاً آخر إلى الطعام. سمعت صراخاً وصوتاً يهدد.

    - يابن عمي، يابن عمي، معقول أن تمثل سلمى دور كاهن في مسرحية وتظهر أمام الرجال. هذه بنت زقاق، وليست "بنت الشريف"....

    حق علينا التأديب رحم الله جدها القاضي. مايقول فيها لو خرج من قبره، مايقول فينا. لكان أنكرنا ولعننا..

    أحس الوالدان بالحرج وبالخطر يهدد ابنتهما. حملا درع الحماية بشراسة أثارت عجبي. فتفجرت دموع الفرح من عيني. خرجت منتصرة مرة أخرى وهذه المرة ضمن عائلتي.

    رد والدي بحزم: سلمى لم تخرج عن طوعنا، نحن سمحنا لها بذلك. وضمن جو المدرسة، هرولت ابنة عمي إلى الشارع، ولم تعد إلى بيتنا أبداً.. لكنها ظلت تنتقل كالمكوك من بيت إلى بيت لتؤجج النيران ضدي.

    يدرك والدي وحده مدى طموحي. فتح المحفظة الجلدية الصغيرة، ونتر منها مئة ليرة سورية:

    - اشتري ياسلمى ماترغبين.

    زوت أمي بين حاجبيها معاتبة.

    - اسوارة في يدها أفضل.

    - حسن هذه مني، والأسوارة منك.

    لم أطلب بلساني ذهباً ولا فضة. كنت واحدة من كثيرات تبحث عن كيانها، عن وجودها، عن شخصيتها، تدافع مثلما يدافعن عن ذات أنثوية حرة تأتي في المقام الأول.

    تنفس الدمشقيون نسائم الصيف الحارة. توجهوا نحو آخر خط الترام في المهاجرين ليشاهدوا سباق الخيل الذي يقدمه أبو عبدو الغاوردي وأبناؤه. يتحرك موكبهم التقليدي الفرساني بخيول مطهمة مزدانة الأعناق بالأطواق والسلاسل صبيحة كل جمعة من الميدان إلى المهاجرين في جلال مهيب إلى ساحة مكشوفة تتجمع فيها مئات النساء والرجال والأطفال. تبدأ التحية بكر وفر وإقدام وتراجع يلهب الآلاف بالتصفيق، ويفجر الحماس، ثم يعود موكبهم الرائع وكأنهم عائدون من ساحة حرب فرسان على صهوات جيادهم يزين جبينهم إكليل النصر. يلاحقهم هتاف الإعجاب.

    أغلقت الجمعيات الثقافية أبوابها بسبب الحر. رحل من رحل إلى بلودان والزبداني. أو جبل لبنان. بقي أحمد يساهر الأوراق في عملٍ مضنٍ يرسم لوحات روائع. اعتكف يترجم مسرحية لغوغول. تقطعت أخباره وتعذر اللقاء. وصبر الهاتف علينا. فالمطبعة غول لا يرحم.

    ظلت المدرسة النافذة الوحيدة التي لا تسيجها القضبان. أنطلق مهاجرة، أحمل رفة قلبي في الصدر الموجع أحاوره في سري وأنا في الطريق.

    - ترى هل أراه، أم لا أراه، هل أراه أم لا أراه. وفجأة يهبط قلبي. وينذر باقات متناغمة لا تتوقف إلا عندما ينطلق جامحاً عابراً الرصيف نحوي.

    هاهو آت بعد غياب يرمي الرسالة في كفي أوسدها صدري. ترى كم مرة قرأت كلماتها حتى انعدمت الأحرف وباخ الحبر.

    ماذا يقول هذه المرة؟ يفلسف الحياة والعطاء.

    (ساذجة أنت ياسلمى أنت ساذجة وبريئة. الحب حب متكامل مصهور بالجسد والفكر والإحساس. أتدرين ماقيس وليلى سوى أسطورة العجز عن الحب الكامل الحقيقي.

    سلمى مزقي المألوف والسائد، تجاوزي نفسك، مزقي الأشواك التي وضعها المتكسبون. كوني امرأة كاملة الأنوثة متحررة من عبودية المواصفات التي وضعها المتكسبون، كوني امرأة كاملة الأنوثة متحررة من عبودية المواضعات).

    أهي دعوة إلى الانعتاق من ربقة التابوهات. والاقتراب من النار. ارتعدت مزقت الرسالة. لم أجد أحمد بين سطورها. أصبح رجلاً آخر فقد صبره. عدت أجر رفات قلب ميت... يعذبني شوقي إليه. ترى هل أقوى على ضمه دون وجل. يريد روحي عارية صادقة مع نفسي أولاً. لا أكذب عليها مرة واحدة.

    أمضيت ليلة معتمة تحجر الضوء فيها انسكبت ظلمته على إنسانيتي تتلظى بثورة الشباب.

    نعود في صباح آخر لنلعب لعبة طفلية مضحكة. أمشي على رصيف ويمشي على رصيف. كيف نلتقي وأين. سؤال أمضنا. أفي بيته الذي ينغل بالأفراد، أم في بيتي المفعم بالأعراف حتى الاختناق.

    مقاهي دمشق مفتوحة للرجال ومغلقة في وجه العشاق. لم يبق أمامنا سوى السينما. هذه الصالات التي عاشت قصتنا الغريبة.

    ماكان أحمد ليرضخ لمثل هذه العلاقة الصبيانية كما يدعوها.

    سرعان مايثور ويتململ:

    - فكرت أن أستأجر بيتاً.

    - أنت، وفي دمشق لتعيش وحدك؟

    يشدني من يدي ويقهقه:

    - لا ليس لوحدي.

    ترى كم ظللنا هاربين في أزقة ضيقة وحارات مجهولة ونظرات متهمة. يسايرني ويضغط على أعصابه وهو العائد من بلاد بعيدة حيث يصل المحبان فيها إلى غايتهما مباشرة، تتلجلج الأنثى فيّ أمام قبلة. تتنازعني رغبتنا في التمرد والخضوع. أبقى بين مد وجزر ممزقة في علاقة محرمة بين رجل وفتاة. قال باستغراب:

    - لم لا تسأليني عن الزواج شأن البنات عندما يتعرفن على أول شاب. مجرد أن يقول لهن مرحبا، يلقين الأنشوطة حول عنقه. حيرتني معك ياسلمى. ماذا تعنين؟!

    رفضتُ الخوض في أي حديث مشابه، وفي زعمي أني أخرق ثغرة في سد إرثي منيع أقوى مني. وصلتني همسات مغرضة حول انهماك الأهل بالبحث عن عروس له. مثلت دور اللامبالية.

    تنتصر الكبرياء تطغى على وجهي ومسام جلدي. تنز قطرات ندى من شعري في لحظات اللقاء المذعور، وأنا أهرب متخفية من عشيرتي... إلى حبي الكبير.

    آه يا أحمد، كم أحس بالأمان معك؟

    داعبته قائلة:

    - أحمد ، سمعتُ أن العائلة نشطة خلف البنات الحلوات في هذه الأيام. قرأ في عيني الحريق، وقرأتُ في عينيه الاستسلام. كلانا يتلظى ويمشي عكساً إلى غايته.

    تجاهل كلامي. احترمت صمته.

    لم يك الخبر كاذباً، ولا مجرد إشاعة ملفقة. عقد قرانه على بنت مضمومة الشفتين على آهات مكبوتة في صدر أعجف، وقامة قصيرة، ودراية كبيرة بالكنس والطبخ.

    ولم يتخلص أحمد من حلقة العشيرة. كان برغياً في عجلتها. لم ألومه على ضعفه؟ أليس منا ومن هذا البلد؟

    أحزنني خضوعه وهشاشة ثوريته على الأعراف. هاهو أول من سقط في شبكة احتجاجاته، ولم يقو على انتشال نفسه منها. جللني غضب ونفور منه. فما عدت أريد أن أفهمه، ولا أريد أن أعرفه. انشطر إلى خليتين. جسدين، فكرين، تمالكت خيبتي. آه لو ينفجر هذا القلب إلى شظايا.

    مشيت في الطريق. توقفت أمام محل للبوظة.

    - ممكن أن أستعمل الهاتف؟

    أدرت الأرقام التي أحببتها. انسكب صوته الصافي في أذني.-ألو.

    صمتَ، صمتُ، بادرتهُ:

    - مبروك أستاذ أحمد.

    - تأخرت بالهاتف. انتظرته منذ فترة.

    استيقظت في اليوم التالي، كالموتى، صفراء، خرقاء. مومياء. أجر قدمي إلى المدرسة. وكأني مساقة إلى المقصلة. فقدت كل بهجة. تساءلت:

    - أكنت أتعلم، وأتعرف، وأستكشف، وأحارب سواد الحياة من أجله؟!

    انتصرت عائلته على الحب. كانت تعرفني تخشاني. تخشى تحرري المورّد.

    حاولت في الأيام التالية أن أضمد طعنة السكين المثلمة، لكنه ذات يوم عاد... قابلني واجهني كلمني، شدّ على يدي. قال إنه فسخ.

    استعدت روحي. ظفرتُ به ظفرت به، هو لي وأنا له، ولن تتمكن امرأة أخرى أن تسلبه مني. قد تحظى بالجلد واللحم. ولكن ليس بقلبه. حاورت نفسي فيما كان يقترب بخطواته العجلى المتسارعة. تفرست في جسده النخيل المتمايل ويديه المعروقتين، وأصابعه الطويلة المتناسقة. حسبته مسيحاً أهو المسيح بعينه.

    تراوح علاقتي بأحمد مكانها، تختمر على جمر هادئ. لم تعد لقاءاتنا في الأزقة المهجورة وبين المقابر في الجبل. فقد ساعدنا الحظ، سافر سعيد رفيق أحمد إلى بولونيا لنيل دكتوراه في الفيزياء. أشفق علينا فقدم لنا مفتاح بيته.

    نجم عن هذه النقلة، بل القفزة فزع أكبر، وآلية شديدة الوطأة مثل كابوس مزعج. حشرتني بين رحى الطاحون. أثناء ذلك تشكلت رابطة للكتاب السوريين. وعمت المظاهرات العنيفة المدينة وحلب وحمص داعية إلى إسقاط حكم الشيشكلي، ساندها تمرد عسكري في حلب قادة نقيبان.

    حسم الموقف لصالحهما انحياز قادة المنطقة الوسطى حمص. ترددت أثناءها إشاعة بأن لواءين عراقيين تحركا إلى جانبهم. وتسربت إشاعة أخرى بأن السعودية تدخلت حقناً للدماء.

    يبدو مصفحتين مدججتين بالأسلحة شقتا صفوف المظاهرات إلى نصفين ووقع المقدور.

    سرعان مانبذنا همومنا أمام متغيرات متسارعة حلت بالوطن. أفقنا صباح 1954، على بيان موجه إلى الشعب السوري يعلن الإطاحة بحكم الشيشكلي.

    مل الشعب حوادث العنف، وأخبار الاعتقالات، والإضرابات والفوضى، ففي صيف تلك السنة وحدت الأحزاب التقدمية أهدافها ودعت إلى انتخابات بديلة حرة شعبية تثور على الرجعية وضمن خط سياسي ديمقراطي، وصولاً إلى الاشتراكية.

    عاد شكري القوتلي رئيساً للجمهورية.

    تنفست المدينة الصعداء بعد أن تصدعت سنوات متوالية. لفظت القشع الصدئ من صدرها، وارتخت أعصابها، عم الفرح والحزن.. الحزن خوفاً من تمزق جديد، فالأيام حبلى بالثارات والتصفيات، والولاء لفئة دون فئة أخرى. من يدري بالغد. ربما اعتقالات أخرى وانتماءات، واجتهادات، وربما انفجارات. فالموقف لم يتبلور بعد.

    وعاد من سمّوا بالمحاليق إلى التمختر في شارع الصالحية، يزينهم شباب متفجر وعنجهية صارخة بعد أن تخلصوا من إعدام محقق. سرت شائعة أيام الانقلاب الأول تتهمهم بإلقاء القنابل والعبث بالأمن.

    رن جرس الهاتف صباحاً، تناولت السماعة:

    - سلمى، باختصار، ضحك الحظ في وجهك، وافق وزير المعارف على بكالوريا موحدة، بدل بكالوريا بقسمين، أنا في المطبعة، ثم سكت الهاتف.

    - معقول ، غير معقول، سنة واحدة فقط وإذا أنا في الجامعة؟ جننت فرحاً، سأعبر سورها الحديدي إلى القاعات الفسيحة المطلة على الحديقة حيث يتجمع الطلاب أمام كلية الآداب.

    تساءلت كطفلة وجدت نفسها في محل للألعاب كلها جميلة ومغرية. تتلون الأحلام. تتزاحم، تتناقض، ماذا دهاني، هل فقدت القدر ة على التركيز؟ الجامعة، الجامعة، اللقاءات، النقاش، الحرية.. صحت وأنا أخلع قميص النوم عنّي:

    - في سبيل الجامعة. نحيا أو نبيد!

    صفنت لحظة، يجب أن أراه، ولكن كيف؟ ركبت رأسي.. أينما كان، في الطريق، في المعمل، في الباص... أمام الناس، مع الناس لايهم لن أعدم وسيلة. فاجأته في المطبعة يتابع تصحيح البروفات قبل إرسالها إلى الطباعة منكباً على الطاولة ظهره إلى الباب، وإلى جانبه عامل صغير. لم أ در، أسرّه وجودي أم أغضبه. كانت نظرته متسائلة.

    سلم الأوراق إلى العامل، وانتحى جانباً دون كلام. أفسح لي الطريق. مشى، مشيتُ كطفلة مذنبة.

    البناء قديم لارتوش على جدرانه القذرة. أبواب مسدودة، وأرض وسخة. فتح باباً إلى اليسار وقال:

    - تفضلي...

    قرب النافذة المغبشة من هباب السيارات. العارية من الستائر. قبع رجل في مثل سن أحمد، زميله في العمل يمج الدخان من سيجارة. ويراقب سحائبه الملتفة في الغرفة المغلقة. دار في كرسيه المعدني. وقف مسلماً. لمحت في عينيه نظرة جريئة. ابتسم متخابثاً، وكأنه يصل حديثاً انقطع قبل هنيهة.

    - البروفات جاهزة أستاذ أحمد؟

    - حاضر أخي حبيب، دوماً حاضر.. وابتسم غامزاً نحوي.

    - لا تنسَ مقالتك النقدية، يجب أن تصل إلى المطبعة اليوم. من الضحية هذه المرة، الفنان أم الفن التشكيلي؟ وضحك لنكتته. حمل بعضه وأوراقه، وقبل أن يغادر رازني بعينيه الصغيرتين المجربتين متأنياً مستكشفاً، ربما المسافة التي قطعتها مع أحمد. قال:

    - ليت الآنسة سلمى تترجم لنا قصة من الأدب الأمريكي الحديث، هنري جيمس مثلاً. الكتاب عندي. ثم التفت نحوي:

    - كيف لغتك؟

    - أنا؟ رددت ساهمة أراقب أسنانه المسودة بفعل الدخان.

    - طبعاً، أنتِ.

    - مازلتُ في العاشر. لا تعتمد علي.

    تباسط بالحديث، وخرج.

    عقد أحمد حاجبيه مستاءً من تصرفات رفيقه، عقّب باقتضاب:

    - اترك الأمر لنا.

    ارتميت بين ذراعيه أنبش صدره وأتلفح بأضلاعه. سمعت وجيب قلبه. نسيت نفسي، تمنيتُ لو أقضي عمري معه، أموت هنا على الكتفين العريضين يضمانني بحنان وقوة همست لنفسي:

    - إنه لي، إنه لي..

    نقرة على الباب، انفصلنا، دخل الآذن يحمل صينية القهوة. نبر بأدب:

    - طلبها الأستاذ حبيب.

    مسحت عينا الرجل الطويل النحيل كنخلة باسقة أطراف قدمي، ثم تراجع نحو الباب بلطف:

    - إنشاء الله تعجبك أستاذ.

    أهي أطيب قهوة ذقتها في حياتي. أهي أحلى أمنية قطفتها من النجوم. أم أحلى فجر؟ غمرتني متعة الظفر. علي أن أختار.

    - مارأيك بما طلبه حبيب؟

    - سؤال متعجل.

    رفع رأسه نحوي. رأيت غيرة واضحة في عينيه. قال: عندما تشربين القهوة، غادري، فما اعتاد العاملون في المطبعة زيارات مماثلة. غرس عينيه في شفتي. جرّني إليه وقبلّني.

    في الدرب الملتوي نحو المرجة حيث محطة الترام وحوانيت الحلوى شعرت بالجوع، اشتريت قطعة مبرومة واحدة.

    - واحدة، قال البائع دهشاً؟

    - واحدة.

    تسكعتُ أمام المكتبات. قلبت الكتب، والكتب المترجمة. خفق قلبي. هذا اسمه، اسم (أحمد الخالد) مؤطر بالأحمر على كتاب (غوغول).

    تتبادل التوأمان دمشق وبيروت المعرفة. وددتُ لو أشتري سالومي، الأم، الزنبقة السوداء، درب إلى القمة، تاييس، أورى، الحي اللاتيني.

    استعدت معنوياتي التي أوشكت على الانهيار بفضل نشاط ابنة العم المتزمتة كان أبي اسعدنا، فالعلم عنده خبز مقدس يحلف عليه. من أجله دفع ذهباً لإخوتي في مدرسة الفرير، وللبنات في مدرسة إيطالية. باع دكاكين وبيوتاً جميلة.

    منعني التفكير من النوم.

    - يافتاح ياعليم. قالت أمي وهي تفرك عينيها بالمنشفة. ماخلصنا قراءة؟ أرى دليل الهاتف في يدك. خير؟

    - أبحث عن رقم إلهام حداد. سمعت أنها افتتحت مدرسة خاصة قد أشتغل عندها معلمة.

    سكتت قليلاً ثم رمقتني:

    - لا تتعجلي، لست بحاجة إلى العمل. أبوك موجود انتظري البكالوريا. أين أحلام الجامعة؟

    تدفق الكلام تباعاً من فمها.

    إذن هي لا تمانع، هذه بادرة طيبة. لو تدري كم أحتاج إلى أشياء وأشياء.

    - طيب، هات بشارة، قلتها وأنا أندفع نحوها وأقبلها.. خلص، صرت بالبكالوريا. وافق وزير المعارف على دمج البكالورتين اعتباراً من هذه السنة. يعني السنة القادمة بكالوريا موحدة، ما سمعت الإذاعة؟!

    تراجعت مرتاحة إلى المطبخ، فاحت رائحة القهوة بمذاق لذيذ منعش. نوّر الغرفة وجه أبي المشرق بابتسامة حانية.

    - صباح الخير سلمى، شربتِ القهوة؟

    هجمتُ عليه أعانقه:

    - معقول بابا، بعد البكالوريا... الحقوق... مافينا كاني ماني.

    - المحاماة والقضاء مهنة العائلة.

    سألتُ: صحيح. أنا أنحدر من سابع قاضٍ ليس بينهم امرأة متعلمة؟

    - طبعاً غير صحيح. ابنة أخي سعاد أول امرأة درست الحقوق في بلدنا.

    - بابا، هات البشارة أنت أيضاً، صرت بالبكالوريا.. يعني قصر الدرب وحدوا البكالوريا. ما سمعت الخبر البارحة؟ أصبح بالإمكان الجمع بين العمل والجامعة.

    مد وجهه نحوي:

    - وهذه قبلة.

    أبعدتني أخبار طازجة عن خواطري وصلتنا دعوة ملحاحة حارة تنز غيثاً من صهري صبري أفندي الذي استعاد وجاهته بين بدوٍ في آخر نقطة من شمالي البلاد. ضمنّ رسالته كلاماً كبيراً عن نجاحاته في زراعة القمح والقطن. لم ينسَ أن يذكر ما اشترى لأختي من ذهب ملأ يديها وأذنيها وحتى قدميها. وفي آخر الرسالة أن أم البنات حامل للمرة الثالثة منذ أن سافرت بعد عدة إجهاضات.

    من خلال الأسطر فهمنا أنه اقتنى سيارة فخمة (بونتياك) زيتيّة وأجر سائقاً سريانياً سيكون تحت تصرفنا عندما يقرر والدي المجيء.

    رمى الرسالة جانباً:

    -سنرى ، عقب والدي، ونفخ ضيقاً من صدره.

    رقصت فرحاً، صيفية رائعة، هأنذي أنطلق إلى أفق آخر.

    تساءلت:

    - ترى كيف أصبحت مها؟ أما زالت جميلة، نحيلة فارعة.

    قرأنا الرسالة مرات، بادرت أمي بطيبتها المعهودة إلى توزيع الحلوى ابتهاجاً بالأنباء الجيدة التي رفضها إخوتي ساخرين.

    - القمحة المسوسة لا تعطي إلا قمحاً مسوساً.

    تنذرني عين أبي بالتروي. اقتربت منه أتدفأ بذراعه همست: بابا، أينما ذهبت أذهب معك. لا فكاك مني. ألا تشتاق إلى حفيداتك.

    - أنا معك ياسلمى، البعد جفاء. ربت على كتفي وتمتم:

    - لابد من بحث الأمر. سيئاته. وحسناته مع أخوتك.

    تواترت القصص عن صبري أفندي عبر الأصدقاء والمعلمين العائدين من هناك.

    - ذهب أبيض بين يديه، قطن بالأطنان.. أرض خصبة، رخيصة وفلاحون فقراء، جاء صبري أفندي في الوقت الملائم. حظ.. ووجه آخر للعملة الواحدة مستور بطبقة هشة تصبو إلى الكشف عنها. ولن يطول ذلك.

    أطار المال صواب مها. أغمضت عينيها عن تحرشات زوجها بالفلاحات. وانغماسه حتى أذنيه في الرذيلة. وأغلقت سمعها عن همسات تدور في غرفة الخادمة الكردية. خرجت أختي من إهاب الخفر والحياء بعد أن كانت ترف عيناها من صوت عالٍ أو صفقة بابٍ حادة مفاجئة في بيت أهلها، تمسك أمي رأسها من أخبارها.

    - العمى جنت مها، جنت البنت.

    بعد لأي وافقت والدتي على سفرنا. كان يوماً قائظاً من شهر تموز.

    أطلت علينا سيارة فخمة بلونيها الرائعين الأخضر الزيتي والأخضر الفاتح ملأ انسيابها البديع عيون الجيران. دار حولها الأولاد في الحارة، وتلمسوا أضواءها وأطلقوا زمورها.

    حمل السائق سهيل الحقائب وعلب الحلوى، رتبها في صندوق السيارة الواسع بعناية.. ثم أخرج برادي القهوة والشاي من جيب الباب المخفي وسأل بأدب:

    - هل تتكرم المدام. بملئه بالقهوة؟ الطريق طويلة والقهوة تساعدني على الانتباه.

    كان السائق شاباً لا يتجاوز العشرين لطيفاً أزرق العينين، أشقر الشعر طويل الجذع. ارتاحت أنفسنا إلى تصرفاته. شد أبي من همته مرحباً ونحن نركب السيارة.

    - الله يبارك بالشباب.

    أبدى سهيل لهفة لإرضائنا، دخلت دماثته قلوبنا كأحد أفراد العائلة. توقف عند أول محطة للبنزين على مشارف حمص. نفخ الدواليب، ثم خرج بنا إلى ضفاف العاصي في حماة.

    كان المنظر ساحراً، والنواعير تدور وتدور، وتئن، تجرف الماء ثم تصبه في قناة طويلة تروي أراضي حماة الخصبة. أسرع سهيل، مد بساطاً قماشياً مقلماً. وفرد كراسٍ من المعدن الخفيف.

    - فنجان قهوة على العاصي ينعش القلب، مارأيك ياعم؟

    ضحك والدي برضى: المليح لا يحتاج إلى مشورة.

    - والآنسة، استدار نحوي متسائلاً بعينين ضاحكتين.

    - مافي كلام، أجبته.. لكن بعد أن نأكل من الزوادة، أخشى عليها من الحر. وضبّت أمي أقراص الكبة والكفتة، والباذنجان المقلي في السلة الصغيرة.

    تناول الشاب السلة.

    أكلنا، استروحنا هواءً عليلاً هب من العاصي يحمل نسائم رطبة جففت العرق. تخلصنا من أحذيتنا، نراقب الغروب الفاتن الذي زحف سريعاً على المياه الخضراء الداكنة.

    علق أبي:

    - الماء حياة الدنيا. أنظروا، وأشار بيده نحو غيضة طويلة عامرة بالأشجار الكثة. بدت مثل كتلة سوداء متزاحمة على ضفتي النهر بشريط طويل ملتوٍ انساب مع جريان الماء. سرحنا مع المنظر وارتخت أعصابنا وهاجرت خواطرنا إلى دمشق.

    همّ سهيل:



    - لنلحق بحلب لنبيت ليلنا هناك. الفندق محجوز والغرف مهيأة، لا مشكلة من هذه الناحية.

    - ماعرفناه عن المنطقة الشرقية نتف لا تفصح عن الحقيقة.

    رد سهيل:

    - أرض بكر خصبة، آبار ارتوازية حفرها الرأسماليون الحلبيون. جاؤوا بالتراكسات الحديثة. قلبت الأرض نحو الشمس، الأرض صالحة لزراعة الأرز وأجود أنواع القطن.

    - وشوارعها، وحدائقها؟ أعني مدينة أختي.

    - جميلة خططها الفرنسيون على نحو حديث حضاري، شوارع مستقيمة، وحارات منظمة مثل أوروبا، وأضاف:

    - قد تصبح أكبر منافسة لبيروت، موقع استراتيجي مفتوح على تركيا شمالاً والعراق شرقاً وحتى إيران. تدفق الكلام من فمه حاراً وكأنه يستظهر درساً. بلاد مفتوحة على التهريب. كل شيء موجود فيها. من الدخان إلى الكهربائيات.

    عندما أشرفنا على خان شيخون ومعرة النعمان صاح أبي مردداً بيتاً لأبي العلاء:

    صاح، خفف الوطء، فما أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.

    تلمست كتفه متعبة، وغمرني نعاس عجيب، توقفنا على الطريق العام، شربنا الماء، وغسلنا وجوهنا، ثم تابعنا إلى مدينة حلب. نزلنا في فندق (الكونتيننتال) الذي بدا مهيباً تزين واجهاته الثريات النحاسية الأثرية.

    لاحظت عراقة الأثاث والخشب المصقول القديم، والسرير العريض، زينت الجدران لوحات زيتية أصيلة، وامتدت على الأرض سجادة عجمية منقوشة بأجمل الطيور. نمنا بلا هز كما يقال. استيقظنا ظهراً. حركنا عضلاتنا الميتة من المشوار الطويل وخرجنا نتفرج على المدينة الرائعة بأبنيتها الحجرية البيضاء. شاب يترنّح في زاوية الشارع.. يخبئ قنينة العرق في جيب ستره الداخلية يمتصها قطرة قطرة.

    - مسكين، بعد قليل سيقع ويدوسه الناس بأرجلهم.

    ضحك الرجلان من كلماتي. في عتمة الليل وقد خفّ استعارّ القيظ، سرنا شرقاً نحو دير الزور على هدي الأضواء الأمامية، في طريق وعرة صحراوية، ترابية، غير معبدة، شقتها دواليب الشاحنات المحملة بالبضائع من حلب إلى العراق. كانت الدروب تتطاول أمامنا كلما لحقت بنا سيارة. كنا كمن ألقي في اليم بلا طوق نجاة، بين
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    بنات حارتنا ج5
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتديات طحله :: الفنون الجميله........مش هتقدر تغمض عنيك :: منتدي الفن الجميل-
    انتقل الى: