الرســــول ورسالة الكمال الأخلاقى

الرســــولورسالة الكمال الأخلاقى

النظرات العميقة فى شخص الرسول الكريم (r) تدل دلالة قاطعة على مثل بشرى كامل متفرد فى الذات والصفات وأن حياته كلها ورسالته كانت صفحة ذهبية مشرقة بفضائل الأعمال وعظيم الخصال التى لا تشوبها شائبة ، لذلك يصف النبى (r) رسالتـه بأنها رسالة الكمال الأخلاقى حين يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (1).
عمومية الرسالة :-
لقد أُرسل النبى (r)
برسالة عامة للناس كافة ، تدعو إلى ما تدعو إليه الفطرة الإنسانية ويمكن
أن يتفق البشر – كلهم - عليها، فهى مجموع من الأصول والقيم التى تمثل
ثوابت راسخة للنفس الإنسانية كافة .
بناءً على ذلك يمكن القول : إن عمومية رسالة النبى (r)
تتلخص فى أنها تحمل للبشرية جمعاء ديناً عاماً يقوم على أصول طبيعية لا
تنال منه أحقاد البغى وظلمات الجهل وأعاصير الظالمين ، مهما أسـرفت فى
كيـدها ومكرها ، فإنه سيظل أبداً غنياً بمبادئه وتعاليمه ، يكشف عن مثله
وقيمه العليا فى كل زمان ومكان ، مصداقاً لوعد الله تعالى الحق : ] سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد [ ( سورة فصلت / الآية 53 ) .
ولقد أخبرنا القرآن الكريم بأن الهدف الأساسى من مهمة الرسول (r) هو ترسيخ القيم الأخلاقية وجعلها سلوكاً حياتياً للناس كافة ، لقوله (r) : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
ولا
شك أن وجود رسالة عامة للبشر ، يعتبر ذلك من الأمور الخطيرة ، حيث كان ذلك
كما قيل : " لم يكن يدور بخلد أحد من العالمين حتى أئمة الفلسفة أنفسهم ،
إذ لم يكن يبحث أحد فى امكان وجود رسالة عامة للبشر كافة ، ولم يكن يعرف
إنسان أن الله أوحى لجميع المرسلين ديناً واحداً ، ولا أن التخالف فى
الأديان إنما حدث بسبب تحريف قادتها لما أنزل إليهم منها . ولم يكن يتخيل
مصلح أن هذه الأديان المتخالفة كلها يمكن توحيدها بإرجاعها إلى أصلها
الأول ، فيصبح بذلك للأمم قاطبة دين واحد ، ولا أن هذه الأمم ذات القوميات
المتباينة والمصالح المتعاكسة يمكن أن تتوحد ويكون لها وجهـة مشتركة
باعتبـار أن توحدها أوفى بمصالحهـا ، وأدعى لزيادة رفاهيتها " (2) .
فالشرائع السماوية السابقة على الإسلام قد أعاد الله تعالى إنزالها على النبى محمد (r)
توحيداً لأصل الدين ، وتكليفاً للرسول بمهمته بأن يقوم بدعوة الناس جميعاً
، باعتبار أن رسالة الإسلام هى رسالة البشرية كلها لا رسالة أمة واحدة فقط
من بين الأمم . يقول الله تعالى : ] إن
الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم
العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب . فإن حاجوك
فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم
فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد [ ( سورة آل عمران / الآيات 19-20) .
فالصفة
العامة فى الدين الإسلامى واضحة لا تقبل القدح أو التأويل ، وأن القرآن
العظيم لم يوجه ضمن آياته آية واحدة تخص العرب ، بل كل ما فيه موجه للناس
كافة على اختلاف لغاتهم وأجناسهم ، بحيث إن من يرتل أى سورة من سوره لا
يتبادر إلى ذهنه ولو للحظة واحدة أن هذا القرآن قد نزل بعيداً عنه أو قد
نزل على أمة غير أمته ، وهذا إن دل فإنما يدل على شمولية الإسلام وعمومية
دعوة الرسول (r) .
وما
يقطع بعمومية الإسلام إن الله تعالى شرط على الداخـل فيه وجوب الإيمان
بالرسل كافة الذين أرسلوا إلى الأمم السابقة ، وبجميع الكتب السماوية
المنزلة ، وأن ذلك من أصـول الدين . يقول الله تعالى : ] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله [ ( سورة البقرة / الآية 285 ) .
ولقد
عد الإسلام الكفر بواحد من الرسل الذين أرسلوا إلى الأمم السابقة ، أو
بواحد من الكتب المنزلة عليهم ، اعتبر كافراً ، حتى وإن آمن بالرسول (r) وبالقران الذى أنزل عليه . يقول الله تعالى : ] إن
الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن
ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً
واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً [ ( سورة النساء / الآيات 150-151 ) .
ما لاقاه الرسول (r) فى سبيل نشر رسالته :-

لقد تعرض الرسول (r)
عندما أخذ يغشى مجالس قومه ويدعوهم للإسلام إلى شتى أنواع العذاب ، حيث
قابلوه ابتداءً بالسخرية والاستهزاء ، وعندما أخذت الآيات تترى عليه فى
تسفيه ما تعبدون من دون الله تغير موقفهم وأخذوا يسومونه صنوفاً من
الاضطهاد وضروباً من الإيذاء لم يدع المشركون وجهاً من وجوهه إلا أخذوا به
(3) .
ومن بعض ما قاساه الرسول (r)
فى سبيل نشر رسالته وأداء مهمته ، عندما ذهب إلى أهل الطائف يدعوهم إلى
دين الله ، فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ، بل ذكر موسى بن
عقبة : إن أهل الطائف قعدوا صفين على طريقه ، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه
ولا يضعها إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموه ، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء (4) .
ويصف الرسول (r) ما لقى من أهل الطائف ، فيما رواه عروة ابن الزبير ، أن عائشة زوج النبى (r) حدثته ، أنها قالت لرسول الله (r)
: يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : " لقد لقيت
من قومك . وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة . إذ عرضت نفسى على ابن ياليل
بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت . فانطلقت وأنا مهموم
على وجهى . فلم استفق إلا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسى فإذا أنا بسحـابة قد
أظلتنى . فنظرت فإذا فيها جبريل ، فنادانى فقال : إن الله عز وجل قد سمع
قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال
: فنادانى ملك الجبال وسلم على ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك
لك ، وأنا ملك الجبال ،وقد بعثنى ربك إليك لتأمرنى بأمرك ، فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين " فقال له رسول الله (r) : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحدة لا يشرك به شيئا " (5) .
رسالة الكمال الأخلاقى :-

لا يخفى أن منظومة القيم الإسلامية التى أرسل بها الرسول الأكرم (r)
للعالمين منظومة عظيمة ومتنوعة ، وأنه يأتى على رأس هذه المنظومة ، القيم
الأخلاقية ، التى يمكن أن يطلق عليها وبحق رسالة الكمال الأخلاقى ، لأن
الالتزام بها من شأنه أن يرفع الإنسانية إلى الخير الذى لا يحد بحد .
وإذا أردنا أن نقـف على معرفة بعض الجوانب الأخـلاقية لرسالة الإسـلام ، فحرى بنا أن نلقى بالضوء على جانب من أخلاق الرسول (r) ، الذى وصفه ربه بعلو أخلاقه وعظيم خصاله حين قـال : ] وإنك لعلى خلق عظيم [
( سورة القلم / الآية 4 ) ، فكان حقاً عظيماً فى خلقه ، عظيماً فى صدقه
وأمانته ، عظيماً فى إحسانه ، عظيماً فى علمه ، عظيماً فى فصاحته وبلاغته
، عظيماً فى إيمانه القوى برسالته وثباته فى مواجهة أعداء الحق . ولذا
يقول الله تعالى فى شأنه : ] هو
الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين . وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو
العزيز الحكيم . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم [ ( سورة الجمعة / الآيات 2-4 ) . ويقول : ] وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً [ ( سورة النساء / الآية 113 ) .
تلك كانت بعض الآيات المجملة التى نزلت فى حق الرسول الكريم (r) ، ولكن بيان جوانب العظمة لرسالة الكمال الأخلاقى فى شخصه (r) ومما جاء به لا بد له من بعض التفصيل المؤجز .
( أ ) رحمته وحلمه (r) :-
يخبرنا
الله تعالى فى كتابه العزيز بأن لب الرسالة المحمدية ومركزها هو ترسيخ
قيمة الرحمة فى النفوس البشرية ، وجعلها أساساً جوهرياً فى حياة الناس ،
وفى هـذا المعنى يقـول الله عز وجل موجها الخطاب إلى رسوله (r) : ] وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ ( سورة الأنبياء / الآية 107 ) . ويقول : ] فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك [ ( سورة آل عمران / الآية 159) . ويقــول : ] لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز علية ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم [ ( سورة التوبة / الآية 128) .
وباستعراض سنة النبى (r) نجد منها ما أخرجه أبو داود عن أنس – رضى الله عنه – قال : كان رسول الله (r) من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلنا يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب – وفى نفسى أن أذهب لما أمرنى به نبى الله (r) ، قال فخرجت ، حتى أمر على صبيان وهم يلعبون فى السوق ، فإذا رسول الله (r)
قابض بقفاى من ورائى فنظرت إليه وهو يضحك فقال : " يا أنيس ، اذهب حيث
أمرتك " قلت : نعم ، أنا اذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته
سبع سنين ، أو تسع سنين ، علمت قال لشئ صنعت : لم فعلت كذا وكذا ، ولا شئ
تركت : هلا فعلت كذا وكذا (6) .
ومما ورد فى رحمته وحلمه (r)
، نجد الكثير من الآداب والخصال العظيمة التى كانت ولا تزال وستظل إلى
نهاية الدنيا هى القيم النبيلة والتعاليم السمحة التى تنادى بتصحيح
الأوضاع الخارجة على الفطرة الإنسانية .
روى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : كان النبى (r)
يجلس معنا فى المجلس يحدثنا ، فإذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض
بيوت أزواجه ، فحدثنا يوماً ، فقمنا حين قام ، فنظر إلى أعرابى قد أدركه
فجبذه بردائه فحمر رقبته ، قال أبو هريرة : وكان رداءً خشناً ، فالتفت ،
فقال له الأعرابى : أحمل لى على بعيرىَّ هذين فإنك لا تحمل لى من مالك ولا
من مال أبيك ، فقال النبى (r) : " لا ، وأستغفر الله ، لا ، وأستغفر الله ، لا ، وأستغفر الله ،
لا أحمـل لك حتى تَقيدَنِى من جبـذتك التى جبذتنى " فكل ذلك يقول له
الأعـرابى : والله لا أقيدكها ، ..قال : ثم دعا رجلاً فقال له : " احمل له
على بعيريه هذين : على بعير شعيراً ، وعلى الآخر تمراً " ثم التفت إلينا
فقال : " انصرفوا على بركة الله تعالى " (7) .
( ب ) تواضعه وعفوه (r) :-
رغم اختلاف الناس فى أجناسهم وعقائدهم ومذاهبهم إلا أن دعوة الرسول (r) أظهرت
لهم أنهم متساوون فى الاعتبار البشرى ، مما يكون ذلك مدعاة للتواضع وعدم
تعالى بعض الأجناس أو بعض الأشخاص على بعضهم الآخر . وفى ذلك يقول النبى (r) : " إن الله أوحى إلىَّ أن تواضعوا حتى لا يبغى أحدٌ على أحدٍ ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ " ( Cool

.
ولقد كان النبى (r)
بما لديه من عطاء جم فى الصفات والخصال ، وبما كان له من فضل ومكانة أضأت
للبشرية صفحات الدنيا ، كان بعيداً عن التكبر والاستعلاء ، وكان نموذجاً
يحتذى به فى التواضع ، والتعامل مع الناس على أنهم بشر يتفقون فى الجوهر
وفى الأصل الواحد .
ولذا كان من تواضعه (r)
واحترامه لآدمية الناس بصرف النظر عن قوتهم وضعفهم وأوضاعهم ، أنه كان
ينقاد للمستضعفين منهم فى تلبية حاجتهم تطييبا لقلوبهم وترضية لنفوسهم .
لمـا روى عن أنس بن مالك ، قـال : " كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ
بيد رسول الله (r) فتنطلق به حيث شاءت " (9) . ولا شك أن ذكره المرأة دون الرجل يدل على قمة المبالغة فى تواضعه (r) .
ومن ثم كانت دعوته إلى التواضع والعفـو عن زلات الآخرين صريحة وواضحـة ، لما روى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله (r)
قال : " ما نقصت صدقة من مال . وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا وما تواضع
أحد لله إلا رفعة الله " (10) . أى أن الله تعالى يرفع عبده فى الدنيا ،
ويجعل له بتواضعه فى القلوب منزلة يجله بها عند الناس ، ويثيبه عليها فى
الآخرة .
( ج ) عـدله وأمانته (r) :-
لقد كان الرسول (r)
أعدل الناس وآمن الناس منذ كان ، فكان مشهوراً بعدله وإنصافه حتى لقب قبل
بعثته بالصادق ألامين ، والشئ الرائع الذى دعا إليه الإسلام وأكد علية
الرسول (r)
، أن العدل والأمانة يجب توافرهما عند تعاملنا مع كل الناس بمن فيهم من
نكرههم أو نعاديهم ، لأن العدل لا يعرف الانتقاء فى التطبيق ، ولأن
الأمانة صنواً للدين وعلامة الإيمان . يقول الله تعالى : ] ولا يجر منكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [ ( سورة المائدة / الآية رقم 8 ) .
ففى عدل النبى (r) يقول ابن خالويه : " جزَّأ رسول الله (r)
نهاره ثلاثة أجزاء : جُزءاً لله ، وجُـزءاً لأهله ، وجُزءاً لنفسه ، ثم
جزَّأ جُزْأه بينه وبين الناس ، فكان يستعين بالخاصة على العامة " (11)
ولا يأخذ أحداً بسوء ظن به ، ولا يصدق أحداً على أحد فكان (r) أحسن النـاس وأعدلهم ، وفى ذلك يضرب لنا المثـل بقوله : " وإيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " (12) .
أما عن أمانته فكان (r)
مشهوراً فى حياته قبل نبوته بين قومه بالصدق والأمانة ، ومن أجل ذلك كان
يستأمنه الناس على أماناتهم قبل البعثة وبعدها ، بل من المشركين أنفسهم من
كان يستودع أمانته عند الرسول (r)
"
ففى الوقت الذى كانوا يكذبونه ويرونه ساحراً ومخادعاً لم يكونوا يجدون من
حولهم من هو خيـر منه أمانة وصدقاً ، فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم
التى يخافون عليها إلا عنده ! " (13) .
ومن
أجل ذلك جعل الإسلام الأمانة قيمة جوهرية وفضيلة محورية لدرجة أن نهاية
الدنيا وقيام الساعة مرهون بمدى المحافظة على الأمانة . ويؤكد الرسول
الكريم (r) على ذلك المعنى بقوله : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " (14) .
ومن هنا فإن الجوانب الخلقية التى تتجلى فى حركات الرسول (r)
وسكناته لم تكن مجرد صفات فى شخصه الكريم ، ولكن كانت مثلاً وتوجيهاً
للناس فيما يتعلق بمعاشهم ومعادهم ، وملاذاً لهم فيما نشب بينهم من أحداث
على مر الدهور .
ولا عجب إذا عجزت البشرية بأسرها عن أن تنشى جيلاً مثل الجيل الذى نشأ فى أحضان الرسول (r) لأن تلك المدرسة المحمدية لم تكن فى طاقة أحد من البشر أن يصل إليها إلا أن يكون مؤيداً من رب العالمين .
رسالة الرسول فى نظر المنصفين :-

قبل
أن نطوى الكلام عن هذه الدراسة ، نود أن نؤكد بكلمة وجيزة : إن من يتتبع
الكتابات الغربية المعتدلة البعيدة عن الغلو والتحيز ، المهتمة بدراسة
الإسلام ، يجد أن رسالة النبى محمد (r) هى رسالة الكمال الأخلاقى بلا منازع ، وهذا هو تأثير الدين الإسلامى ، النقى بمبادئه ، المتفرد بقيمه وآدابه فى نفوس البشرية .
يقـول المؤرخ " جيبون " فى كتابة : ( اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية ) مانصـة : " عقيدة محمد (r) عقيدة لا غموض فيها ، والقران الكريم شهادة ناصعة الصدق فى الشهادة بوحدانية الله " (15) .
وقد
أعقب هذا الاقرار دراسات وصياغات أوروبية رائعة اصطبغت بالتعقل وقبول
الإسلام ، بل والرد على الكتابات الجدلية المناهضة له . وهذا ما سمح لـ " هرمان صامويل رايماروس
" بالقول : " إننى على يقين أن البعض يلومون ديانة الأتراك ، فإذا قرأوا
القرآن الكريم قليلاً سيعترفون بأنه كلام صحيح ومفهوم " (16) .
ويقول " توماس كارلايل " وهو واحد من أعظم المفكرين فى القرن الماضى : " كانت أمانة الرجل العظيم محمد (r)
وإخلاصه فى حمل الأمانة من النوع الذى لم يكن يستطيع أن يجيز فيه لنفسه أن
يتحـدث عنه أو يطريه ، بل إنه على النقيض من ذلك ، كان كل وعيه منصرفاً
إلى الحذر من أن تتسلل إلى نفسه ذرة من ذرات انعدام الأمانة ، وأى رجل ذلك
الرجل الذى يستطيع أن يمشى كما ينبغى لمدة يوم واحد وهو يحمل فوق كتفيه
مسئولية الحفاظ على شريعة الله الحقيقية ؟ ، لا ، إن الرجل العظيم لم يكن
يفاخر بنفسه أبداً باعتبار انه مخلص وأمين فى أداء رسالته إلى الناس ،
وأكثر من ذلك فهو لم يسال نفسه ما إذا كان يتصف بالأمانة والإخلاص . وأنا
أميل إلى القول بأن أمانته وإخلاصه فى أداء رسالته من الله إلى الناس لم
ينبعا من داخل نفسه ، بل كانت أمانته ، وكان إخلاصه ، من الله ، وبقدرة
الله وارادته ، ولم يكن محمد (r) يستطيع أن يحيد عن أن يكون مخلصاً فى أداء رسالته من الله إلى الناس " (17) .
لقد كان ومازال الرسول (r) هو سيد العالمين ، وهو خير من أشرقت عليه الشمس ، وهو أعظم رجل عاش على ظهر هذه البسيطة الخضراء .
وتأكيداً على هذا المعنى صاغ الله تعالى فى كتابه العزيز بما يفيد أن رسول الله محمد (r) هو أعلى الناس منزلة وأرفعهم قدراً ، وذلك فى قوله سبحانه وتعالى : ] ورفعنا لك ذكرك [ (سورة الشرح / الآية 4) .
كما
كانت رسالته هى وبحق رسالة الكمال الأخلاقى ، بما يحق لكل مسلم أن يفخر
ويفاخر بأنه لا يوجد فى تاريخ البشرية رسالة يمكن مقارنتها برسالة الرسول (r) ، فهى رسالة لكل البشر ، قد سجلها الله تعالى فى كتابه فى قوله : ] وما أرسلناك إلا رحمته للعالمين [ ( سورة الأنبياء / الآية 107) .
ولكن
لا مجال هنا لتميز جنس على جنس آخر أو محاباة عربى على أعجمى ، أو تفضيل
أمـة على أمة أخرى ، إن رسالة الإسلام لكل الناس ولكافة المخلوقات التى
حباها الله تعالى المسئولية والتكليف ، ولقد شهد الله عز وجل لرسوله
الكريم (r) بهذا المبدأ العام فى قوله سبحانه : ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ ( سورة سبا / الآية 28 ) .
وكم كان للمؤرخ الفرنسى " لامارتين
" ثناءً رائعاً عندما تساءل قائلا : " بالنظر إلى كل المقاييس التى تقاس
بها العظمة لدى العظماء من البشر ، يجوز لنا أن نسأل : هل يوجد أى رجل
أعظم من محمد (r) ؟ " (18) . وإجابة لهذا السؤال نستطيع أن نقول : لا يوجد رجل أعظم من الرسول محمد (r) الذى
اختاره الله مثالاً للنموذج البشرى الذى تحقق له النجاح الكامل على
المستويين الدينى والدنيوى ، وجعل رسالته من أعظم الرسالات فى العالمين ،
بما يمكن أن يطلق عليها وبحق رسالة الكمال الأخلاقى

ممتاز محمود
موضوع جميل
ممكن أعرف حاجة انت قاعد فين أكيد لسة صاحى وكتبت الموضوع شئ جميل

مشكور على احلى المواضيع

هااااااااايل موضوع ممتاز
تحياتي

الرســــول ورسالة الكمال الأخلاقى

مستقبلك يتحدد علي قدر أمنياتك ومدي قدرتك علي تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الماضي