أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أمس تقريرا يكشف ارتفاعا عالميا في مشاعر الكراهية ضد اليهود مصحوبة بأعمال عدائية ضدهم تشمل التمييز والاعتداء على مؤسساتهم وممتلكاتهم ورموزهم ومقابرهم. كما يلحظ التقرير زيادة المواد الإعلامية على الإنترنت والفضائيات التي تتكلم على مؤامرات اليهود لتأليب الصراعات العالمية، وتتناول ما يشاع عن تحكم اليهود في الحكومات الغربية والإعلام العالمي.
ويبني التقرير معلوماته على إفادات من السفارات الأمريكية حول العالم، والتي تصل إلى نتيجة واحدة وهي أن العداء لليهود في ارتفاع مستمر وأنه بلغ العام الماضي أعلى مستوى له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعدد التقرير دولاً قال إن قادتها وحكوماتها تساعد على ترويج "العداء لليهود" بين شعوبها وفي العالم، وحلت في المقدمة سوريا ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران، دون أن يستثني التقرير الأمم المتحدة التي انتقدها على المطالبة الدائمة بإجراء تحقيقات حول الاعتداءات المنسوبة لإسرائيل. وأوضح التقرير أن ما تراه شعوب كثيرة انتهاكات إسرائيلية لحقوق الإنسان يعزز هذه المشاعر، ويضع الدولة اليهودية مثلا للتفرقة العنصرية. كما أبرز التقرير أشكالا أخرى لمعادة اليهود على المستوى الاجتماعي، في فرنسا وروسيا وبولندا وأوكرانيا وألمانيا وبريطانيا، إلى جانب تصاعد العداء عموما في الأرجنتين واستراليا وكندا وجنوب أفريقيا.
طبعا التقرير متعاطف مع إسرائيل واليهود ويلوم الجميع على هذه الموجة من كراهية اليهود، بما فيها الأمم المتحدة التي وجه لها التقرير انتقادات شديدة نتيجة لمطالبة مختلف هيئات الأمم المتحدة بإجراء تحقيقات حول وجود اعتداءات دموية وانتهاكات متنوعة لحقوق الإنسان منسوبة لإسرائيل. والعجيب أن التقرير لم يشر من بعيد أو قريب إلى أن الممارسات الإسرائيلية هي سبب حقيقي وراء مشاعر الكراهية لليهود. ويصر التقرير على تصوير إسرائيل واليهود على أنهم ضحايا الدعايات المغرضة وأنهم مظلومون دائما وبالتالي على المجتمع الدولي أن يتكاتف لإيقاف هذه الموجة.
ولا أعرف كيف يغفل الأمريكيون عن حقائق ساطعة كالشمس، نراها جميعا ونرى معها التزوير الذي يمارسه الإعلام الغربي من أجل عيون اليهود. لقد تابعت التغطية الإعلامية للأحداث البشعة التي وقعت في غزة منذ أسبوعين وراح ضحيتها أكثر من 130 فلسطيني نصفهم من المدنيين وخمسهم من الأطفال، في مجازر مسجلة بالصوت والصورة. ومع ذلك كنت ترى تغطية ضعيفة باهتة في وسائل الإعلام الأمريكية لتلك المذابح وكانت تكتفي بوصفها "تزايد أعمال العنف في الشرق الأوسط" مع صور مقتضبة لآثار القصف الإسرائيلي وتتبعها صور "الهلع والفزع" الذي ينتاب المستوطنين اليهود من صواريخ القسام الفلسطينية !!. بعد هذا بيومين وعند وقوع حادث إطلاق النار على ما قيل إنه مدرسة دينية بالقدس الغربية، هرعت وسائل الإعلام الغربية لتغطية الحدث بأخبار عاجلة متلاحقة، ورأيت السي إن إن قد أوقفت برامجها المعتادة وظلت في تغطية حية لأكثر من ساعتين، تخللها طبعا لقاءات تندد بالإرهاب الفلسطيني وتناشد إسرائيل بأن تظل على "ما عودتنا عليه من ضبط النفس" !.
هذا الكيل بمكيالين وهذا الانحياز السافر لآلة البطش الإسرائيلية هو السبب الحقيقي وراء ارتفاع مشاعر الكراهية لليهود. إنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، مهما أوتيت من إمكانيات إعلامية ونفوذ سياسي. ولذلك نرى أن كل ما يثار ضد اليهود هو بأصوات شعبية وليس عن طريق جهود رسمية حكومية، وهذا لافت للنظر إلى جذور هذا العداء المتنامي لليهود. إن الغباء السياسي الأمريكي والإسرائيلي هو السبب وراء كراهية اليهود، وقد بدأت أصوات تتعالى في الغرب تنبه لهذا المعنى، مثل تصريحات وكتابات الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. وبدلا من الإصغاء لمثل هذه الأصوات، يسارع اللوبي اليهودي بإشهار سلاح تهمة "معاداة السامية" في وجوههم. وقد قال كارتر مؤخرا خلال ندوة حول فترة رئاسته في جامعة جورجيا: "لقد وصفوني بأنني كاذب.. وأنني معاد للسامية.. ومتعصب.. ومنتحل لآراء الآخرين.. وبأنني جبان. إن مثل هذه الاتهامات تقلقني ولكنها لن تنال من صحة الآراء التي ضمنتها في كتابي "فلسطين: السلام وليس التفرقة العنصرية" ، وأؤكد أنه لا يوجد أحد ممن انتقد الكتاب عارض فرضياته الأساسية.. بأن الكبت والاضطهاد الفظيع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني هو الذي يعرقل جهود السلام في الشرق الأوسط."
إننا بالطبع نستنكر أي اعتداءات على الأبرياء من اليهود وغير اليهود، ولكننا نشير هنا إلى أن ارتفاع موجة كراهية اليهود وراءها ممارسات إسرائيلية ظالمة هي المسئولة عن هذا الجو المشحون بالبغض لهم ولظلمهم. إن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الفلسطينيين هي حقائق موجودة على الأرض وليست مجرد وجهات نظر أو تحليلات سياسية، إنها مآسي شاخصة أمام عيون العالم برغم جهود الإعلام الموالي لإسرائيل لحجبها وتزييفها.
السبت يوليو 31, 2010 2:38 am من طرف زائر